: آخر تحديث

الافتراء على ثراء اللغة

15
14
13
مواضيع ذات صلة

لماذا كل هذا الخلط والالتباس في مفهوم ثراء العربية؟ على الشابكة مواضيع لا يحصيها إلاّ محرّك بحث، تلهج بأن مفردات العربية اثنا عشر مليون مفردة، ما يجاوز مجموع الألفاظ في أهم اللغات الأوروبية. هذا كلام غير علميّ وغير موضوعي، سوى أنه منبعث من عواطف جيّاشة وحسن نيّة. مردّ ذلك إلى أن علماء العربية زاهدون في أضواء وسائط الإعلام، لا يحبّون الظهور، ولو كان في ذلك شيوع المفاهيم الخاطئة وتفشّي اللبس اللغوي.

لم يقل أحد للناس من أين يأتي أدعياء المعارف المعجمية، بهذه الهلوسات الإحصائية؟ «لسان العرب» بطمّ طميمه فيه ثمانون ألف مادّة، وحتى لو ضربنا الرقم في عشرة، ليتخطى عدد الأجزاء المئة والخمسين جزءاً، لصار عدد المواد ثمانمئة ألف مادة، ولم يبلغ المليون. الأرقام بليغة مفحمة رادعة. تأمّل هذه الحسابات الدقيقة: إذا كان «لسان العرب» فيه ثمانون ألف مادّة، فإن علينا أن نضرب الرقم في مئة وخمسين لنصل إلى الاثني عشر مليوناً. الطرافة الهزلية الهزيلة هي أن نتخيل «لسان العرب»، وهو في بعض الطبعات ثمانية عشر جزءاً، كيف يصير 2700 مجلد، إذا ضربنا ثمانية عشر في مئة وخمسين.

هل انتهت هذه الكوميديا اللغوية عند هذا الحد؟ كلا، فالآن، علينا التوسع الكوني الذي يطرأ على مواد المعجم عندما نهذي باثني عشر مليون مادّة. إذا قسمنا الثمانين ألف مادّة على ثمانية عشر جزءاً، حصلنا، وبسخاء، على متوسط 4500 مادة بالتساوي، في حين أن حرف العين أضعاف أضعاف الظاء أو الكاف. أمّا الحسابات المفترية فتعطينا 430 ألف مادة في المتوسط بالتساوي بين كل حروف الأبجدية. مهزلة أخرى، وهي أن كل حرف في العربية ستصبح موادّه ضعف مفردات الفرنسية والروسية مجتمعتين.

انتشار هذا الكلام الفارغ والعبث بلغتنا، يعطي صوراً مشوّهة عن الشبكة العنكبوتية العربية. على الصعيد العربي يمثل هذا الاستهتار حملة تجهيل تجعل الأميّة أدهى استفحالاً. ثم إننا نعرف جيّداً أن ثراء العربية فيه كمّ هائل من المهمل الذي لم يعد مستعملاً، ولو حذفنا كل ذلك من «لسان العرب»، لطُرحت منه أجزاء. على علماء اللغة أن يكونوا حرّاساً للغتنا في الشابكة ووسائط الإعلام.
لزوم ما يلزم: النتيجة الانتشائية: أين يوجد هذا المعجم العربي العنقائي الذي فيه اثنا عشر مليون مادة في العربية؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد