: آخر تحديث

في ضيافة الملكة

19
11
18
مواضيع ذات صلة

في نهار ربيعي مبكر من عام 2010. وجدت في بريدي مغلفاً لا يشبه الرسائل التي أتلقاها في العادة. كان يحمل في أعلاه تاجاً وحرفي ER. وهناك في الزاوية اليمنى ختم البريد الملكي. فتحته وأنا أخمّن أنه وصلني عن طريق الخطأ. ووجدت في الداخل دعوة لحضور حفل استقبال تقيمه الملكة إليزابيث الثانية وزوجها الأمير فيليب بمناسبة إطلاق مشروع التعاون بين دار «بلومزبيري» البريطانية ومؤسسة قطر للنشر.

قبلها بأشهر، وصلني إيميل من الكاتبة المصرية أهداف سويف تبلغني فيه أنها رشحت روايتي «الحفيدة الأميركية» للترجمة إلى الإنجليزية في مشروع قطري جديد للنشر. وتمت الاتصالات بالفعل لشراء الحقوق وتوقيع العقد وبدأت أتعاون مع المترجمة ناريمان يوسف. ولم أكن أعرف يومذاك أنها ابنة النجمين حسن يوسف وشمس البارودي.
أخذت القطار، قبل الحفل بيومين، إلى لندن ونزلت في فندق «هازليت». مبنى تاريخي في حي سوهو اعتادت دار النشر البريطانية على أن تستضيف فيه مؤلفيها. وجرت العادة أن يهدوا نسخة من كتبهم إلى مكتبة الفندق. ووجدت كتباً تحمل إهداءات بتوقيع سوزان سونتاغ وجي. كي. رولينغ وفيكرام سيث وبيتر روبنسون وأسماء كبيرة أخرى.
تعرفت عند وصولي على الكاتبة الفلسطينية سعاد العامري. وكان كتابها «مراد مراد» من الثمرات الأوليات للتعاون في النشر بين لندن والدوحة. وبعد ظهيرة السادس من أبريل (نيسان) نقلتنا سيارة إلى مقر حفل الشاي في قصر وندسور وبرفقتنا نيجل نيوتن، رئيس «بلومزبيري». وكنا قد التزمنا تعليمات اللباس المرفقة بالدعوة. بدلة أو فستان للنهار.
أخذ صف طويل من السيارات طريقه نحو البوابة. وكنت أفكر بالحريق الذي تعرض له المبنى العتيق قبل سنوات. وخرج جيران القصر للتلويح لنا. لكن أحداً لم يفتشنا عند المدخل بل أخذوا مني الكاميرا. تجمعنا في قاعة كأنها متحف، تصطف على جدرانها لوحات لأمراء ونبلاء. وكان هناك دبلوماسيون وصحافيون وعدد من الروائيين العرب. ثم دعينا للدخول إلى الحفل.
وقفت إليزابيث الثانية تستقبل ضيوفها وبجانبها الشيخة موزة ناصر المسند، رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر. وهي التي تفضلت بتقديمنا لها، زميلتي الفلسطينية وأنا. ولاحظت أن قامة الملكة أصغر مما توقعت، وأن لها عينين صغيرتين تتبادلان شعاعاً أخضر مع حلية صدرها المرصعة بالزمرد. صافحناها وتوزعنا في حلقات لشرب الشاي. أطباق وأكواب مختومة بأحرف سلالات لا أفقهها. وأسعدني أن أجد نسخاً طازجة من روايتي المترجمة على طاولة في صدر المكان.
دارت الملكة على الضيوف لتبادل عبارات قلائل. وكان علي أن أختصر لها فكرة روايتي. قلت إنها عن شابة عراقية هاجرت إلى أميركا ثم عادت إلى بغداد مترجمة مع الجيش الأميركي. لكن جدتها استهجنت رؤية حفيدتها تعمل لصالح المحتلين. أكملت الكلمتين وسكت. وسكت الجميع. وسمعت الملكة تتمتم «Oh Dear». تعاطف أم استغراب؟
تذكرت أنني سبق والتقيت بالأميرة مرغريت، شقيقة الملكة، أيام دورة تدريبية نظمتها مؤسسة «تومسون» للصحافة في كارديف. دعينا لحضور حفل خيري ترعاه الأميرة. لكنها تأخرت في الحضور لربع ساعة. وتلك من الكبائر في عرف البروتوكول. ثم نشرت الصحف في اليوم التالي أن زراً من أزرار معطفها قد سقط في الطريق، وكان لا بد من التوقف عند متجر يبيع إبرة وخيوطاً لإعادته إلى مكانه.
شربت الشاي وأنا أخاطب روح والدي. كان أبي ملكياً أكثر من الملك، معجباً بإليزابيث الثانية ويعتبرها أجمل امرأة في العالم. وكنا، نحن البنات، نضحك من كلامه، لا سيما حين تقصفه الوالدة ببرقها ورعودها. ليرقدوا جميعاً بسلام.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد