: آخر تحديث

فن الكتابة الساخرة

17
17
9
مواضيع ذات صلة

الكتابة الساخرة من أهم وأخطر ألوان كتابة النصوص الأدبية وأبلغها حدةً وجرأةً وتأثيراً، لأنها تحتاج إلى قدرة عالية من التركيز وإجادة في التعبير الدقيق ومهارات حرفية وموهبة فنية ذكية، وقدرات فائقة للإثارة والجذب ولفت انتباه القارئ وإثارة شغفه. إنها فن محترف من طراز خاص، دون غلظة ولا ابتذال ولا تجديف خارج السرب. ولإجادة هذا النوع من الكتابة يحتاج المرء إلى المهارة والمشاكسة والتشويق ولفت الانتباه للنص المقروء في مضمونه، وإلى لغة سلسلة وقوية. إنها سلاح ناعم أشد فتكاً وتأثيراً من غيره من صنوف الكتابة الأخرى.

والكتابة الساخرة تتميز بالأسلوب اللاذع الناقد، المضحك المبكي، والذي يخلق البهجة في قالب كوميدي بغية إيصال الرسالة وتحقيق الهدف بدقة وسرعة متناهيتين. وهذا اللون من الكتابة وُجد منذ أزمان بعيدة؛ ففي العهدين الأموي والعباسي عرف الأدب العربي فن السخرية، وأجاده الأدباء القدامى مثل الجاحظ وابن المقفع وابن الرومي والحطيئة والأخطل والفرزدق، وكذلك أبو نواس الذي تهكم على النمط العربي السائد وسخر من سلوك أهل البادية وتقاليدهم وممارساتهم في ذلك العهد.

وتأثير الكتابة الساخرة سريع وفعال ومبهر، بل أهم وأبلغ وأقوى شراسة من الكتابة التقليدية، أي التوصيفية والتحليلية، لأنها تلامس الوجدان وتهز المشاعر وتدغدغ الإحساس بسرعة وتدخل شغاف القلب من دون استئذان، وتؤثر على المخيلة بلا عكاز، وذلك من خلال الومضة والإشارة والتورية والتهكم المبدع في محتوى النص وأبعاده وتفاصيله.

والكتابة الساخرة قد تربك بعضَ القراء لعدم تمييزهم بين الجد والهزل، ولاعتمادها على مشاهد لحظية تختزل الموضوع وتختصره وتخلق منه قصة للتأمل والتفكير، وتفجير الفكرة بسرعة ليتلقفها المتلقي لأنها تصويب ورصد والتقاط الموضوع وتجريده وتقديم ما هو من صلب الفكرة الساخرة ومحتواها اللاذع في إيصال المعنى وترجمته إلى واقع، من دون تعب وتأويل، لأن الكتابة الساخرة فكرة هجومية ونقدية لاذعه وأحياناً تكون موقفاً لحالة بطريقة سلسة بلا رتوش.
إن الكتابة الساخرة هي اختزال الموضوع واختصاره وتصوير المعنى بشكل أدق وأكثر تعبيراً عن الحدث في قالب مخالف للسائد، بغية إيصال المحتوى من دون تكلف أو ابتذال أو مراوغة، ولذا يسهل على القارئ تلقفها واستيعابها وإدراك هدفها، وأيضاً التعامل مع الكتابة الساخرة بأريحية وروح طيبة ونفس مرحة ومرنة.

والكتابة الساخرة سرعان ما تتغلغل في وجدان ومخيلة المتلقي أكثر من الكتابة الرزينة المحملة بالرتابة والتقليد الممل والتعقيد السائد، لذا تجد أن من يبدع ويبرع في فن الكتابة الساخرة هم القلة القليلة، لأنها فن يحتاج إلى روح الدعابة، إلى جانب مهارة التعبير اللماح والفطن، أي امتلاك الأسلوب المبهر من الكتابة الساخرة الصعبة وترويضها وقبولها عند الآخر. ولا يحدث ذلك إلا بعد أن يمتلك الكاتب أدوات فنية عالية وقلماً رشيقاً ذكياً متقداً، يمرر أفكاره بريشة فنان بارع، وبموهبة فنية مبدعة وخيال واسع خصب في تصوير الحدث على شكل كلمات بسيطة بالغة التأثير، بشكل لاذع ومقبول عند الجميع من دون تكلف ولا ابتذال، عبر التقاط الفكرة وتحويلها إلى موضوع جذاب ومثير للاهتمام، بطريقة سهلة سلسلة وعفوية رشيقة، للتعبير عن الرأي بكل لباقة ورشاقة.. وهذا الأسلوب في الكتابة هو الأكثر تأثيراً والأشد جاذبية بين أساليب كتابة النصوص المقروءة على الإطلاق.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد