: آخر تحديث

جرأة التغييريّين: الإنخراط البراغماتي بالرئاسة

16
16
21
مواضيع ذات صلة

خطا النواب التغييريّون الـ13 بمبادرتهم التي حدّدت رؤيتهم ومعايير مقاربتهم الاستحقاق الرئاسي خطوة جوهرية على طريق الانخراط في العملية السياسية التي ستؤدي إلى انتخاب الرئيس الجديد، ورسم المرحلة المقبلة من الحلول للأزمة السياسية الاقتصادية المالية والحياتية.

خلافاً لما أُخِذ عليهم عند دخولهم البرلمان في انتخابات نائب رئيسه وأعضاء مكتبه ورؤساء ومقرري اللجان، من الإحجام عن التواصل والتنسيق مع بعض الكتل النيابية التي يجمعهم بها بعض المبادئ، بدا من المبادرة التي أطلقوها السبت أن هناك قدراً من الواقعية، من دون التخلي عن معاييرهم، أخذ ينعكس في تعاطيهم مع محطة انتخاب الرئيس الجديد، باعتبارها «الخُطوة الكُبرى الفاصلة الحاسمة التغييريّة»، والتي توجب درجة من الانفتاح على سائر الكتل بلا استثناء. وهو ما قاد النواب الـ13 إلى موقف وسطي يسعى إلى تفادي الفراغ الرئاسي الذي لا يحتمله البلد هذه المرة، إذ إن ورقة الفراغ في السابق كانت تُستخدَم للضغط على الوضع العام في البلد، في ظل حالة اقتصادية مختلفة تماماً. فالانهيار لم يكن قد حصل ليلقي بثقله على اللبنانيين في الشكل المأسوي الحالي.

تحدد كتلة التغييريّين خلال اليومين المقبلين منهجية لقاءاتها مع الكتل بالتزامن مع طلب مواعيد هذه اللقاءات، بعد حسم الموقف ممّا إذا كانت زياراتها ستشمل اقتراح أسماء تعتبرها متناغمة مع معاييرها، في اللقاءات الأولى أم أنها ستترك مسألة الأسماء للأيام التي تلي تلك اللقاءات، وسط ترجيح أن تتفق على ثلاثة أو أربعة أسماء ترى أن شروط الإنقاذ تتوفر فيها لطرحها منذ المشاورات الأولى. وهذا التوجه يعود بحسب مصادر الكتلة التغييرية، إلى أن الوسط السياسي وسائر الكتل تتوقع منها أن تكون مباشرة في طرحها، بلا مواربة، فتترجم مبادرتها بتظهير هوية من تتوفر فيهم المواصفات التي تتضمنها.

الواقعية نفسها التي تحلّت بها مبادرة التغييريين، استبقت أي حساسية عند الكتل التي يمكن أن يتفاهم التغييريّون معها على الرئيس المقبل، إزاء طرح الأسماء في شكل علني، خشية أن تعتبر هذه الكتل أن النواب الجدد الـ13 يعملون على فرض مرشح اختاروه. وبالتالي ستبقى الأسماء التي سيطرحونها في دائرة السرية قدر الإمكان وإلى حين، ولن يسرّبوها كما تفيد أوساطهم، إفساحاً في المجال أمام التداول مع معظم الكتل حولها، تجنّباً لأيّ ردة فعل من هذا الفريق أو ذاك، تؤدي إلى فيتو على هذا الاسم أو غيره، وتجنباً لحرق أسماء، في ظل هاجس الحرص على تأمين التفاف الـ86 نائباً (أكثرية الثلثين التي يفرضها الدستور لنصاب البرلمان)، حول مقبوليتها، ليتم الانتخاب لاحقاً سواء بتلك الأكثرية أو بالأكثرية المطلقة.

فالمنحى التوافقي للمبادرة التي تتوخى كما جاء في نصها، «أن نبدأ صفحة جديدة من خلال هذا الرئيس، وننطلق معه في استرداد الدولة بمفاهيمها الواسعة»، لا يسقط من الحساب إمكان ظهور صعوبة تأمين الثلثين، حول رزمة الأسماء التي ترى الكتلة أنها قادرة على حمل مشروع إنهاض البلد.

يواكب الجرأة التي تحلّت بها مبادرة التغييريين، حذر شديد من قبلهم حيال بعض ردود الفعل الإيجابية التي تلقّوها حيالها من ممثلي كتل عديدة، نظراً إلى تفضيلهم سماع مواقف الفرقاء مباشرة خلال لقاءاتهم بهم.

فتح «الصفحة الجديدة» يفترض تجنّب أي استمرارية للعهد الحالي بشخصيات تنتمي إلى التزامات سياسية شبيهة بالتي تسببت بإغراق البلد في قعر جهنم، على رغم أن مقاربة التغييريين توخّت البراغماتية من دون التنازل عن مواقف مبدئية. وربما كان إصرارهم على لبننة الاستحقاق من هذا الباب، مع إدراكهم أن المبادرة وسيلة لرفع قدر هذه اللبننة إذا كان صحيحاً أن لا مجال إلا أن يأتي الرئيس الجديد بتسوية خارجية. فصناعة اتفاق داخلي على هذه المحطة المهمة من إعادة تكوين السلطة تستأهل المحاولة. والانخراط فيها قد يجعل الكتل التي توصف بأنها بيضة القبان تتلاقى وتتّحد بحيث تكون لها كلمة في الاستحقاق وتتمكّن من انتزاع التزامات لبنانية صرف من أي مرشح، بحيث لا يأخذ البلد إلى انحياز كامل للخارج. وقد تؤدي المبادرة بهذا المعنى، دوراً في ما وصفه نصها «رفض منطق الاصطفاف الأرعن». مع العلم أن التغييريين أنفسهم قد يجدون أنفسهم أمام تحدي الوقوف بين خيارين أحلاهما مر، مثل بعض النواب المستقلين الآخرين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد