: آخر تحديث

الفكر الإسلامي والفكر الغربي.. اختلاف التصورات

47
46
45
مواضيع ذات صلة

عندما نتناول موضوع الديني والزمن ما بين الفكر الإسلامي والفكر الغربي ندرك مبدأ الاختلاف ما بين التصور الديني والزمن على نحو ما قررته الأدبيات الغربية أو نظريات علم الاجتماع الثقافي الديني في الغرب وبين هوية الديني في التصور الاسلامي.. فجوهر الاختلاف بين الإسلام والعلمانية لا يعود إلى ارتباط الإسلام بحقائق الآخرة مقابل ارتباط العلمانية بالعالم الدنيا بقدر ما يتعلق بنوعية الرؤية إلى هذه الدنيا وصلتها بالآخرة.

وفي هذا يقدم لنا الشيخ صالح الحصين من خلال كتاب (صوت الوسطية) تفسيرًا منطقيًا ووصفاً دقيقًا لمعضلة عدم فهم الغرب للاسلام بصورة واضحة والتي يرى أن مصدرها خلل وسوء فهم تاريخي بين الغربيين والإسلام؛ سوء فهم لا ينبع، بطبيعة الحال، من حقيقة الإسلام؛ بل ينبع في الأصل من محاولة لقياس الإسلام من وجهة نظر لها صورة واحدة لنمط الدين. ولأن الشرط لفهم أي فكرة أو نظام أخلاقي ما؛ هو في عدم قولبته وفق تصورات مسبقة ومنحازة، أو تصورات ذاتية صادرة عن توهم؛ فإن المطلوب هنا إما: محاولة فهم الإسلام بعقل مفتوح ورغبة في الفهم بعيدا تداعيات الذاكرة أو تصورات الذات؛ وإما التجريب المباشر بنية المعرفة والإخلاص لها. ولأن الفرق يكمن في اختلاف التجربتين الدينيتين؛ إذ إن التجربة الدينية للمسيحية الأوروبية في القرون الوسطى وهي تجربة شنيعة للتدين المسيحي لا تزال حتى اليوم هي سقف التصور الذي يحمله الأوروبيون لكل الأديان.

فحين قالت الملكة "مارغريت الثانية" ملكة الدنمارك، عن المسلمين: (هناك شيء مثير للمشاعر في هؤلاء الناس الذين يحكم كل حياتهم من العشاء إلى الفجر) كانت تستصحب في شعورها قضية الفصل بين الدين والدنيا، ولهذا تخيلت أن خضوع المسلمين لحكم الدين، من خلال صلواتهم الخمس في اليوم، سيجعل من دينهم دينا شكليا وطقوسيا وسيحد من حرياتهم في الحياة. لكن المتأمل في موقفها هذا بحسب الشيخ صالح الحصين يدرك تماما أن الملكة تخلط بين المسلمين والإسلام؛ فهي إذ لا تملك في ذهنها أولا، تصورا يفصل بين الدين في نصه وبين تطبيقاته كما بين رجاله من ناحية، وإذ لا تملك ثانيا تصورا يتقبل أداء طقوس العبادة خارج دور العبادة وداخلها، أفرادا وجماعات؛ عند ذلك في الواقع لا تستطيع إلا أن تخرج بتلك النتيجة التي جعلتها تقول: (هناك أيضا شيء مخيف ومرعب من مثل هذه الشمولية التي تعتبر جزءا من دين الإسلام).

ومع ذلك فإن العبرة ليست في كثرة الصلوات في الأسبوع التي ستكون مقارنة بصلاة الكنيسة الأسبوعية بنسبة 1 – 35 بقدر ما هي في طبيعتها وحقيقتها وليست في العبادة بقدر ما هي في طبيعتها وحقيقتها.

ولهذا فإن العبادة في الإسلام بوصفها في الأصل انسجاما مع حركة الكون وتصالحا مع الحياة والطبيعة فإنها ستعني بالضرورة شمولا لجميع نواحي الحياة، ولكنها في شمولها ذاك لا تفرض حالة طقوسية تطبع مختلف نشاط المسلمين الطبيعي في حياتهم، وإنما تبارك لهم نشاطهم الدنيوي وحتى غرائزهم إذا ما كانت تعبيرا طبيعيا وإيجابيا في مختلف نواحي الحياة.

ومن خلال محاولة لتفسير المعضلة المتصلة بفهم الغرب الأوروبي للإسلام، يعقد الشيخ صالح الحصين مقارنة بين طبيعة المنهج لدى المسلمين، من جهة، والغرب من جهة أخرى، فالمسلم، يمتزج عنده الديني والدنيوي، وهذا الامتزاج قائم على التكامل وليس التنافر، لكن المعضلة تكمن في رؤية كل طرف «الغرب»، إلى الطرف الثاني «المسلمين»، فخطورة النظرة الدينية لدى العلماني في الغرب إلى العالم يشوبها الكثير من القلق، وفق التاريخ الخاص للدين بحسب تجربة العصور الوسطى الأوروبية مع الكنيسة، ومحاولة سيطرتها على كل كبيرة في مفاصل المجتمع والحياة والدولة، مما حدا بالكنيسة إلى تكفير جاليليو حين أثبت علميا كروية الأرض مثلاً، وأدى ذلك إلى إعدامه، بسبب النظرة الدينية التي كانت تحتكر المعرفة جميعا وتسيطر على المجتمع والحياة والدولة، فالعلماني الآن في الغرب، أو في أي مكان، يخشى هذه المخاوف وفق التجربة التاريخية للغرب، ومن ثم يتصور تلك المخاوف ويسقطها على الإسلام، من دون أن يكون قادرا على تصور الفرق بين المسيحية الأوروبية وبين حقيقة التصور الإسلامي. فمرجعية الحكم على ثقافة ما أو مجتمع ما لا تنبع فقط من تطبيقات الأفراد.. أو الجماعات وإنما تنبع أصلاً من الأفكار والنصوص المعرفية والفلسفية والنظريات التي يجعلها ذلك المجتمع أو الثقافة مصدراً لرؤيته للكون والحياة والإنسان.

وفي ذلك يقول الشيخ صالح الحصين: الإسلام عقيدة ومبادئ وأحكام وليس الإسلام أصنافاً من البشر يسمون مسلمين أو تاريخاً للمسلمين إلا بقدر ما يكون الإسلام مطبقاً عملاً في حياتهم. وفي هذا يقدم لنا فصلاً منهجياً بين الإسلام في نصوصه وبين التطبيقات المختلفة للمسلمين وهو تمييز معنى الدين الإسلامي وفصله عن التطبيقات المشوهة وبالذات ممن يدعون حيازة فهم حصري وأحادي للإسلام فيما هم يمنحون بتصرفاتهم تلك للغربيين أكبر فرصة لاتهام الإسلام بماهو بريء منه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد