: آخر تحديث

الـ «شــرق أوسطية»: هوية مرفوضة عربياً

87
94
89

صدقة يحيى فاضل

يهدف مشروع «الشرق الأوسط الجديد» إلى: تمزيق الوطن العربي، وإضعافه، وإدخال هويات غريبة إلى المنطقة، ومحو هويتها العربية، والإسلامية. كما يتضمن هذا التحرك: تكريس الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، ومنح الـ «شرعية» النهائية للوجود الإسرائيلي فيها، وبدون أى مقابل. إضافة إلى: توسيع المجال الاقتصادي الحيوي لإسرائيل.. عبر دمجها في المنطقة، وإخضاع إمكانات هذه المنطقة للسيطرة الأمريكية - الإسرائيلية الأكثر إحكاما. فالهدف الأكبر هو: خلق منطقة نفوذ مطبق.. عبر إعادة رسم خريطة المنطقة، وتحويل أغلبها إلى دويلات طائفية مستضعفة.. تقودها إسرائيل، وتسخر إمكاناتها، وثرواتها لخدمة المصالح الاستعمارية – الصهيونية... لاغية هوية المنطقة العربية وقيمها، وضاربة بعرض الحائط مصالحها الحقيقية، ومكرسة تخلفها، وهضم حقوقها.

لهذه الأسباب، وغيرها، فإن الحكمة المجردة تقتضي من العرب رفض هذا المشروع الخطير، وبشدة، والتركيز - بدلا عن ذلك - على بناء نظام سياسي - اقتصادي عربي، وإسلامي حقيقي.. يحفظ الحقوق والهوية العربية، ويدرأ عن هذه الأمة ما يحدق بها من أخطار مشتركة جسيمة، تستهدف بقاءها ورفاهها، وكرامتها. ويأتي في مقدمة هذه الأخطار: المحاولة الفارسية – الصفوية للسيطرة، والمحاولات الصهيونية – الاستعمارية المسعورة إياها للهيمنة على المنطقة.. عبر: محاولة تمرير وفرض عدة أفكار جهنمية.. تبدأ بأفكار هلامية، مثل: «السلام، مع الأمن»، و«السلام، مقابل السلام»، و«الفوضى الخلاقة»، وفكرة الـ «الشرق الأوسط الجديد».. التى يشير إليها البعض بـ «الشر الأوسخ الجديد». وكلها (على أي حال) أفكار ومشاريع تدس السم الزعاف، في قشرة من الدسم الزائف.

****

يعرف «التعاون الدولي الإقليمي» بأنه: «عملية تكوين وتفعيل المؤسسات، التي يمكن عن طريقها صنع وتنفيذ قرارات عمل مشترك، لمجموعة من الدول، في مجالات معينة». وعادة ما يتم هذا التعاون بين دول متجانسة، ترتبط فيما بينها بروابط: الدين واللغة والمصالح والأخطار المشتركة، وتشكل إقليماً جغرافياً، معيناً من هذا العالم. وكثيراً ما يتجسد هذا التعاون في: منظمة دولية حكومية إقليمية شاملة، معينة.. أو اتحاد كونفيدرالي، يقام ( في شكل منظمة ) للتعاون في كل المجالات.

وقد أقامت الدول العربية، فيما بينها، منذ عام 1945، «جامعة الدول العربية».. التي هي بمثابة: منظمة دولية حكومية إقليمية (عربية) شاملة. ومن المؤكد أن المصلحة العربية والإسلامية العليا تقتضى تدعيم وتطوير هذا التعاون.. حفظاً على الهوية والمصالح العربية والإسلامية المشتركة.. ودرءاً للأخطار الأجنبية الفادحة، التي تهدد كل الأمة العربية. ومن المؤسف أن هذه «الجامعة» كانت – ومازالت – مهترئة وضعيفة (ربما عن قصد) ولا تعكس الروابط (الحقيقية) بين أعضائها، ولا تقدم الخدمة المطلوبة لهذه الأمة. بل إن هذه المنظمة قد ساهمت – وإن بشكل غير مباشر - فى ما وصل إليه حال الأمة من تخلف وبؤس. ورغم ذلك، فإن «الحل» لا يكون بنبذ فكرتها، وإلغاءها، واستبدالها بشيء آخر مناقض أو مشبوه، وإنما بتعديل وتطوير ميثاقها.. بما يجعلها قادرة على تحقيق ولو الحد الأدنى من ضرورة وجودها القصوى.

****

وقد طرحت فكرة التعاون الـ «شرق أوسطي»، أو «الشرق الأوسط الجديد» لضرب ونسف أي نوع من التضامن العربي (الإقليمي) الحقيقى، إضافة إلى إحكام السيطرة على المنطقة. وأخذ الإسرائيليون (وحلفاؤهم) يروجون لهذه الفكرة بشكل ملفت، منذ انتهاء «الحرب الباردة»، آملين دعم هيمنتهم عبرها. وبادر بعض (من دعاة «السلام») بتبرير هذا التوجه.. بسبب «فشل العمل العربى المشترك».. ولم يقولوا بسبب «إفشال ذلك العمل»، وتسفيه فكرة «التضامن العربى»، وتقديم بديل استعماري- صهيوني لفكرة العروبة وروابط الدين، وغيرها ؟! فإذا كان المشروع العربي قد فشل (أو أفشل) فان البديل الأسوأ سيكون الهيمنة الصهيونية المغلفة بأوراق التعاون و«السلام» الزائفين.

****

والخلاصة، أن أهداف فكرة الـ «شرق أوسطية» الحقيقية تتلخص في:

1- محاصرة ما تبقى من «النظام العربي» وعزله، ومن ثم إفنائه.. عن طريق: طمس الهوية الثقافية والسياسية للأمة والأرض العربية.. تمهيدا لإحكام الهيمنة الإمبيريالية الصهيونية.

2- محاولة تحقيق «شرعية» وجود إسرائيل.. عبر تكوين نظام إقليمي تكون إسرائيل مركزه، لتأكيد «انتمائها» لهذه المنطقة، وتجاهل اغتصابها لفلسطين، وحقوق الفلسطينيين.

أي أن إسرائيل وأنصارها يسعون، من خلال طرحهم لهذه الفكرة، إلى: خدمة أهدافهم العدوانية، عبر هوية متخيلة، ولا أساس قويا لها، ودون اعتبار يذكر للمصالح والقيم العربية.

وهذه الفكرة ليست – في الواقع – جديدة.. إذا أخذنا مغزاها، وجوهرها – الحقيقي – وهو: الحيلولة دون قيام أي نظام أو تكتل عربي إسلامي مؤثر بالمنطقة. فقد حاول المستعمرون، في السابق، فرضها على المنطقة.. في صورة «مشاريع أمنية» عدة، منها: «حلف بغداد»، وغيره. ومن تحليل تلك المشاريع، يتضح تعارضها مع المصالح العربية والإسلامية.. وهذه المرة، تطرح هذه الفكرة في زي صهيوني براق.. لا يختلف في مضمونه عن ما عداه، من مشاريع استعمارية سابقة، إلا في الشكل.. وفي بعض التفاصيل.

****

والغريب، أن تلاقي هذه الفكرة الصهيونية – الاستعمارية الخبيثة، قبول بعض «العرب»، من الذين يقولون – بغباء أو سوء نية – أن الـ «شرق أوسطية» ستحول بلدانهم إلى «جنات خضراء.. متقدمة». فلا بأس من التعاون مع أشد أعداء هذه الأمة، لتحقيق هذه «المصالح» ؟! ولقد انكشفت أهداف هذه الخطة أمام الشعوب العربية، وقادتها. وبلغ الاستياء منها حدا.. جعل الرفض العربي القاطع لهذا المشروع تلقائيا وبدهيا. ويمكننا الآن القول إنه: لن يوجد سلام حقيقى، أو حتى تعاون صحيح ومثمر وعلاقات طبيعية بين الكيان الصهيوني والعرب، إلا بعد حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة في أرضه، فلسطين المحتلة، وتوقف إسرائيل عن سياساتها العدوانية المعتادة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد