بعد "جفاف" المساعدات المقدمة من الدول الغربية إلى أوكرانيا، عاد الحديث مجدداً عن احتمال مصادرة الأصول الروسية المحتجزة في الغرب، كحلّ بديل لمواصلة دعم كييف وحضّها على الاستمرار في القتال، ولو بلا طائل.
الولايات المتحدة اقترحت على دول مجموعة السبع (G7) قبل نهاية العام، استكشاف سبل الاستيلاء على قرابة 300 مليار دولار من تلك الأصول. فيما تُسابق المجموعة الوقت من أجل الخروج باتفاق على خطة ترضي جميع الأطراف، فيُعلن عنها تزامناً مع الذكرى السنوية الثانية للحرب، أي قبل 24 شباط (فبراير) المقبل.
وبالرغم من أنّ تلك الدول لم تتخذ حتى اللحظة أيّ قرار، ونقاشاتها ما زالت عالقة بين اندفاع بعض العواصم وتردّد أخرى، فإنّ تسريع العمل على مصادرة تلك الأصول لصالح أوكرانيا يعود ليسلط الضوء على أهمية تلك الأصول المتزايدة بالنسبة إلى دول مجموعة السبع، التي ناقش وزراء ماليتها خلال الشهر الفائت كيفية تطوير هذه السياسة وتقييم مخاطرها. ولهذا تقوم دول المجموعة بدراسة:
1- القضايا القانونية المتعلقة بالمصادرة.
2- طريقة تطبيق هذه السياسة.
3- بحث تخفيف المخاطر.
4- بحث أفضل السبل لتوجيه الدعم إلى أوكرانيا.
وبرغم ذلك، تبدي كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا والاتحاد الأوروبي بعض التحفظات، وتدعو إلى ضرورة إجراء "تقييم قانونيّ دقيق" لتلك الخطوة قبل اتخاذ القرار. كما يشدد العديد من الوزراء الأوروبيين على ضرورة الحفاظ على مستويات عالية من السرية بهذا الشأن.
أمّا الخيارات، فهي 4 وتراوح بين:
1- المصادرة المباشرة للأصول.
2- إنفاق أصول البنك المركزي الروسي.
3- الاستفادة من عائدات تلك الأصول المجمدة.
4- استخدام الأصول كضمان للحصول على القروض.
وتميل دول الاتحاد الأوروبي إلى خيار استحداث طرق من أجل مصادرة الأرباح التي تحققها المؤسسات المالية من تلك الأصول، مثل "يوروكلير" التي تحتفظ بأصول سيادية روسية بقيمة 191 مليار يورو.
التردّد سيد الموقف
إلى اليوم، لم تقل واشنطن صراحةً إنّها مع مصادرة الأصول الروسية، لكنّها وزعت "ورقة مناقشة" داخل مجموعة السبع، تشير إلى أنّ مصادرة أصول موسكو المجمدة ستكون قانونية باعتبارها "إجراء مضاد لحثّ روسيا على إنهاء عدوانها".
أمّا الحذر الأوروبي فمرّده إلى الخوف من العواقب المحتملة على الاستقرار المالي لديها، فضلاً عن الإجراءات الانتقامية التي قد تلجأ إليها موسكو.
وتعد إيطاليا، التي تتولى رئاسة مجموعة السبع في عام 2024، من بين أبرز الدول التي تشعر بالقلق من الانتقام المحتمل على شركاتها النشطة في روسيا، التي حذرت من أنّها ستقطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة رداً على أيّ مصادرة للأصول.
بينما الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وفرنسا تشدّد على أنّ الأموال لن تكون متاحة بسهولة، كما أنّها لن تكون كافية لتغطية احتياجات أوكرانيا من أجل إعادة الإعمار، محذرة في الوقت نفسه من أنّ يتحوّل الاستيلاء على تلك الأصول إلى "خيار بديل" لتقديم الدعم المالي لكييف هذا العام. إلاّ أنّ تلك الدول تحاول تصوير الضغوط التي تمارسها في هذا الشأنّ، بأنّها "رغبة مشتركة" في إظهار عجز موسكو عن الصمود أمام العزم الغربي على مساعدة أوكرانيا اقتصادياً وعسكرياً.
الكرملين يخفي خطوة مضادة... ما هي؟
يرى الكرملين أنّ الخطّة الأميركية "غير قانونية"، وتخالف كل ما ينصّ عليه القانونين الدولي والمحلي، ويؤكد أنّه سيطعن بتلك الإجراءات ويدافع عن حقوق روسيا.
تعطي موسكو مثالاً حول عدم قانونية الخطوة، من خلال الطعون التي تقدم بها بعض رجال أعمال روس مدرجين على لوائح العقوبات في دول غربية، وخلُصت طعونهم في المحاكم الغربية إلى عدم قانونية المصادرة.
بل أكثر من ذلك، يبدو أنّ لدى موسكو خطة "باء" تخفيها، وتتحضّر لسحبها في وجه الدول الغربية في التوقيت المناسب.
تقوم تلك الخطة التي تحدث عنها المصرف المركزي الروسي وخاضت في تفاصيلها حاكمة المصرف إلفينا نابولينا قبل أشهر، على البحث في إمكانية تبادل الأصول الروسية المجمدة بأصول الشركات والأفراد الغربيين الأجانب على الأراضي الروسية.
وقد كشف وزير المالية الروسي في حينه، أنّ ثمّة مرسوم رئاسي "ينتظر التوقيع"، قد يعطي الضوء الأخضر من أجل بدء تبادل تلك الأصول. الوزير الروسي ربط السير بتلك الخطة، بموافقة الغرب وتحديداً الاتحاد الأوروبي والشركات والأفراد الأوروبيين المعنيين. مما يعني أنّ ما تبقى من أصولَ وشركات لأفراد غربيين وأوروبيين على الأراضي الروسية، ستكون عُرضة للمصادرة، وذلك من أجل مقايضتها بالأصول الروسية المحتجزة، على قاعدة "العين بالعين".
أبعد من مسألة أموال؟
ويبدو أنّ الخوف الأوروبي نابع أيضاً من الحرص على عدم تخويف دول أخرى بخلاف روسيا. خصوصاً أنّ تلك الإجراءات قد تتسبّب بهروب الأموال من الأراضي الأوروبية. ولهذا تميل أغلب دول الاتحاد الأوروبية إلى خيار "إدارة" تلك الأصول، والإفادة من عائداتها (مثل كسب الفائدة من إقراض الأموال الروسية) واستخدامه في تمويل كييف بدلاً من مصادرتها.
وتشير التقديرات إلى أنّ تلك العوائد قد تصل إلى قرابة 3 مليارات يورو سنوياً، وتطرح الدول الأوروبية خيار إمكانية إعادة تلك الأصول الأساسية بعد انتهاء الحرب في أوكرانيا. لكن برغم ذلك، ثمة مخاطر قانونية، واحتمال فقدان تلك الأصول لقيمتها، إضافة إلى مخاوف أخرى أكثر جدية قد تضر بسمعة الاتحاد الأوروبي من خلال تشويه صورة عملة اليورو والطلب عليه دولياً. أي أن تقوم بعض الدول بإدارة ظهرها للعملة الاوروبية الموحدة، مخافة من أن تعاني من مصير روسيا نفسه يوماً ما.
كما يشير خبراء اقتصاديون إلى أنّ تجميد المعاملات والاحتياطيات، قد يجعل عملات الدول المتقدمة "سامة"، مما يزيد من احتمالية العودة إلى الذهب مع الوقت، وهذا تحديداً ما تخشاه الولايات المتحدة مع تعاظم دور مجموعة "بريكس" التي تضاعف عدد دولها مطلع هذا العام، مع دخول اقتصاديات كبرى إليها بوصفها "تجمعاً في مواجهة G7".
ومن هذا المنطلق، حذّر عدد من السياسيين الألمان من أنّ أيّ خطوة متسرعة من هذا النوع، قد تشكل مخاطرَ قانونية ومالية. فيما أعرب ممثلون رفيعو المستوى في الحكومة الألمانية عن شكوكهم بأنّ خطة الاتحاد الأوروبي لاستخدام الأصول الروسية قد لا تلقى دعماً كافياً، لأنّ المخاطر القانونية عالية للغاية.
وفي حال صادر الاتحاد الأوروبي أموال المصرف المركزي الروسي، أو حتى أرباحه من الاستثمارات، فستكون تلك بمنزلة "سابقة"، ربما تعيد فتح جراح قديمة فتدفع الدول المتضررة من الحرب العالمية الثانية بالمطالبة بتعويضات من ألمانيا. خصوصاً أنّ وزير العدل في ألمانيا ماركو بوشمان، قد سبق وأعلن في دراسة أجراها قبل أشهر، أنّ الاقتراحات الغربية "غير عملية من الناحية القانونية" لأنّ التشريعات الأوروبية الحالية لا تسمح بمصادرة الأصول الأجنبية المجمدة بشكل أحادي، وذلك نتيجة قيود تفرضها قوانين الاتحاد الأوروبي.
وبما أنّ دولاً أوروبية أخرى تعارض هذا التوجه، فإنّ هذا الإجراء قد يقوّض، بحسب الوزير الألماني، النظام المالي الأوروبي بأكمله وليس النظام الروسي فقط، معتبراً أنّ سرقة أصول دول أخرى سيؤدي حتماً إلى تسريع عملية الاستغناء عن اليورو والدولار، وعدم الاستثمار أو إيداع الأموال في المصارف الغربية، بل حتى التفكير في إنشاء عملات جديدة كما هو حاصل في مجموعة "بريكس"... أي أنّ الغرب من خلال ذلك سيكون كمن يطلق النار على قدميه.