القدس: يشن الجيش الإسرائيلي مساء الجمعة قصفا كثيفا على قطاع غزة حيث حذّرت الأمم المتحدة من "وابل غير مسبوق من المآسي" وطالبت مجدداً بهدنة في الحرب بين الدولة العبرية وحركة حماس.
وقال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن القصف الإسرائيلي "هو الأعنف منذ بدء الحرب" واستهدف شمال قطاع غزة.
في الوقت نفسه، انقطعت "الاتصالات ومعظم الانترنت بالكامل"، بحسب حكومة حماس التي تتولى السلطة في القطاع منذ عام 2007.
وأبلغ مكتب الإعلام عن "قصف جوي وبري ومن البحر"، متهما إسرائيل بأنها قامت بذلك "لارتكاب مجازر". وردا على ذلك، أعلنت كتائب القسام إطلاق "رشقات صاروخية" في اتجاه الأراضي الإسرائيلية.
توسع العمليات البرية
وأكد المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري تكثيف القصف على غزة "في شكل كبير جدا"، لافتا الى ان الجيش "سيوسع عملياته البرية هذا المساء".
من جهته، حذّر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة من أنه "بدون تغيير جوهري، فإن سكان غزة سيتكبّدون وابلاً غير مسبوق من المآسي الإنسانية".
بدوره، قال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني الجمعة من القدس "سيموت العديد من الأشخاص قريباً... جراء تداعيات الحصار المفروض على قطاع غزة"، مضيفا أن "الخدمات الأساسية تنهار والأدوية تنفد والمواد الغذائية والمياه تنفد. بدأت شوارع غزة تفيض بمياه الصرف الصحي".
ويعيش سكان قطاع غزة في ظروف إنسانية كارثية في ظل الحصار المطبق والقصف الإسرائيلي المتواصل، رداً على الهجوم الدامي الذي شنّته حركة حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول/أكتوبر.
ويأتي ذلك فيما أعربت الأمم المتحدة الجمعة عن قلقها من أنّ "جرائم حرب" قد تكون ترتكب في النزاع بين إسرائيل وحركة حماس، من الجانبين.
وتصوت الجمعية العامة للأمم المتحدة الجمعة على مشروع قرار غير ملزم يدعو إلى هذه هدنة في اليوم الحادي والعشرين من الحرب بين إسرائيل وحماس، وقد سارعت الدولة العبرية لانتقاد النص.
ولا تنفك حدة الحرب تتصاعد، فقبل قصف شمال غزة مساء الجمعة، نفذ الجيش الإسرائيلي غارة ليلية بقوات برية تدعمها طائرات على أطراف قطاع غزة، واتهم حماس بـ"شن حرب" من المستشفيات واستخدام السكان "دروعا بشرية". ونفت حماس على الفور هذه الاتهامات الإسرائيلية في بيان لها.
كما اتهمت إسرائيل الحركة الفلسطينية بالاستيلاء على وقود مخصص لمستشفيات لتلبية احتياجات بنيتها التحتية العسكرية.
وشدّد فيليب لازاريني على أنّ غزة بحاجة ماسّة إلى مساعدات إنسانية "متواصلة وتحدث فرقا"، مؤكداً مقتل 57 من موظفي الوكالة في القطاع منذ اندلاع الحرب.
وقُتل في قطاع غزة أكثر من 7326 شخص، معظمهم مدنيون، وبينهم نحو 3038 طفلاً، بحسب وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
في الجانب الإسرائيلي، قتل 1400 شخص معظمهم مدنيون قضوا في اليوم الأول من هجوم الحركة، وفق السلطات الإسرائيلية.
وأعلن الجيش الإسرائيلي صباح الجمعة أنّ قواته البرية نفذّت خلال الليل "عملية محدّدة الهدف في وسط قطاع غزة" بدعم من "طائرات مقاتلة ومسيّرات" على أهداف لحركة حماس.
وأفاد الجيش في بيان بأنّ الجنود خرجوا بعد ذلك من القطاع بدون تكبّد إصابات.
وأظهرت صورٌ باللونين الأبيض والأسود نشرها الجيش، توغُّل رتل من المركبات المدرّعة ليلا، وسط تصاعد سحابة كثيفة من الدخان في السماء بعد تنفيذ ضربات.
وأشار البيان إلى أنه تم تدمير منصات لإطلاق الصواريخ ومراكز قيادة لحماس كما تم قتل عدد من عناصر الحركة.
عمليات توغل وإنزال
وقالت حركة حماس من جهتها إن القوات الإسرائيلية حاولت أيضاً القيام بعملية إنزال بحري على شاطئ رفح في جنوب القطاع صباح الجمعة، مشيرة الى أن كتائب القسام، الذراع العسكري لحماس، أحبطتها.
وأكد الجيش الإسرائيلي العملية قائلاً إنّ جنوده شنّوا "عملية محدّدة الهدف من البحر" في جنوب قطاع غزة.
وأضاف "ضرب الجنود منشأة عسكرية لحماس وشنّوا عملية في مجمع تستخدمه وحدات حماس البحرية. وشاركت في هذا النشاط سفن وطائرات تابعة للبحرية الإسرائيلية".
ونفّذ الجيش الإسرائيلي خلال الأيام الماضية عمليات توغل عدة.
وأعلنت إسرائيل أنّها تريد "سحق" حركة حماس بعد هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر حين تسلّل مئات من مقاتلي الحركة من قطاع غزة إلى داخل الأراضي الإسرائيلية وقتلوا بالرصاص أو طعنا مئات الأشخاص. وأفاد الجيش الإسرائيلي أنّ عناصر حماس يحتجزون 229 شخصاً رهائن بينهم أجانب، منذ الهجوم.
وتعيش عائلات الرهائن في قلق على مصيرهم.
وقالت إيلا بن عامي البالغة 23 عاما والتي خطف والداها "لم اشعر في حياتي بمثل هذا الشعور بالعجز".
وأضافت لوكالة فرانس برس أنها ترى كوابيس كل ليلة، مضيفة "كل عائلة تقريبا فقدت أحدا. لا أحد قادر على التصديق أن هناك اشخاصا لن نراهم بعد الآن".
وأطلقت الفصائل في قطاع غزة الجمعة رشقات من الصواريخ في اتجاه تل أبيب حيث دوت صفارات الإنذار، وشوهد الناس يركضون في الشوارع. وتسبب صاروخ بجرح ثلاثة أشخاص.
وبينما تتزايد الدعوات الى هدنات إنسانية، دخل فريق من الصليب الأحمر الجمعة إلى قطاع غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر، وذلك للمرة الأولى منذ بدء الحرب، وفق ما أفادت متحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر وكالة فرانس برس.
وقالت المتحدثة إن الفريق يضم جراحين وخبراء ودخلوا مع "قافلة من ست شاحنات تابعة للجنة الدولية تحمل مواد طبية وإمدادات لتنقية المياه".
ويخضع القطاع الذي تبلغ مساحته 362 كيلومتراً مربعاً، لحصار إسرائيلي بري وجوي وبحري منذ سيطرة حركة حماس على السلطة في العام 2007. وأعلنت إسرائيل في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر إخضاعه لـ"حصار كامل" بعد اندلاع الحرب، فقطعت عنه المياه والكهرباء والإمدادات الغذائية.
ودخلت شحنات مساعدات محدودة إلى القطاع الذي يقطنه 2,4 مليون شخص خلال الأيام الماضية.
وتدعو الأمم المتحدة إلى السماح بإدخال الوقود بشكل عاجل لتشغيل مولّدات المستشفيات المكتظة بآلاف الجرحى، وكذلك بعشرات آلاف النازحين.
واتهم متحدث باسم الجيش الإسرائيلي الجمعة حركة حماس ب"شنّ الحرب من المستشفيات"، مضيفا أنها "تستخدم أيضا الوقود المخزن في هذه المرافق لتنفيذ عملياتها".
"ممرات إنسانية وهدنات"
في بروكسل، دعا قادة دول الاتحاد الأوروبي الخميس إلى "ممرات إنسانية وهدنات" لإدخال مساعدات إلى سكان القطاع.
ودعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحافي عقده بعد قمة أوروبية إلى "هدنة إنسانية... لتنظيم حماية" السكان المدنيين في قطاع غزة.
وأشار إلى أنّ فرنسا ترغب في إجلاء رعاياها من قطاع غزة "في أقرب وقت".
واعتبر رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الجمعة أن ثمة "شكوكا مشروعة" في احترام اسرائيل للقانون الدولي في عملياتها العسكرية في قطاع غزة.
وقال سانشيز في بروكسل "يمكننا جميعا أن يكون لدينا شكوك مشروعة بعدما شاهدنا الصور والمعاناة ونزوح أكثر من مليون غزاوي منذ ثلاثة أسابيع".
وكان البيت الأبيض دعا الثلاثاء إلى "هدنات إنسانية محدودة" لتسهيل إيصال المساعدات بدل وقف إطلاق نار "لن يفيد في هذه المرحلة سوى حماس" التي تصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل منظمة إرهابية.
وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية نقلاً عن وزارة الأشغال العامة والإسكان في غزة أن 45 في المئة من مساكن القطاع "تضرّرت أو دمرت"، كما دُمّرت أحياء بأكملها بالقصف.
وحذّر الجيش الإسرائيلي منذ 15 تشرين الأول/أكتوبر سكان مدينة غزة بإخلاء منازلهم والتوجه جنوبا. وفرّ ما لا يقل عن 1,4 مليون فلسطيني من منازلهم منذ بدء الحرب، بحسب الأمم المتحدة، هربا من القصف أو بسبب الإنذار الإسرائيلي.
غير أنّ القصف يطال أيضاً جنوب القطاع حيث يحتشد مئات آلاف المدنيين.
وبحسب الأمم المتحدة، فقد عاد حوالى ثلاثين ألف نازح إلى شمال القطاع في الأيام الأخيرة.
وقال عبد الله أياد الذي قرر العودة إلى مدينة غزة مع زوجته وبناتهما الخمس بعدما لجأوا إلى مستشفى في دير البلح "نعود لنموت في بيوتنا، هذا أشرف لنا".
توسّع نطاق الحرب
ويخشى المجتمع الدولي من توسّع نطاق الحرب بين إسرائيل وحماس، في وقت أصدرت إيران التي تعدّ داعماً قوياً لحماس، عدّة تحذيرات للولايات المتحدة حليفة إسرائيل.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن أنّ الولايات المتحدة نفّذت ضربات الخميس ضد منشأتين يستخدمهما الحرس الثوري الإيراني و"مجموعات تابعة له" في شرق سوريا الليلة الماضية.
وقال في بيان إن "الضربات الدقيقة للدفاع عن النفس هي رد على سلسلة هجمات مستمرة، وغير ناجحة في معظمها، ضد موظفين أميركيين في العراق وسوريا من جانب ميليشيات مدعومة من إيران بدأت في 17 تشرين الأول/أكتوبر".
وصدر هذا الإعلان بعدما وجه الرئيس الأميركي جو بايدن رسالة إلى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي حذره فيها من أن أي هجوم على القوات الأميركية يهدد بتوسيع نطاق الحرب بين إسرائيل وحماس.
وأعلن وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان الخميس أمام الأمم المتحدة، أن بلاده لا تود أن يتوسع نطاق الحرب لكنه تابع في تحذير موجه إلى الولايات المتحدة "إذا استمرت الإبادة الجماعية في غزة فلن يسلموا من هذه النار".
على جبهة حزب الله إسرائيل، يتواصل تبادل إطلاق النار اليومي عبر حدود إسرائيل الشمالية.
الضفة الغربية
في الضفة الغربية، قُتل أكثر من مئة فلسطيني في أعمال عنف منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وفق وزارة الصحة الفلسطينية.
وقُتل أربعة فلسطينيين فجر الجمعة خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي شمال الضفة الغربية المحتلة، وفقاً لوكالة أنباء "وفا" الفلسطينية الرسمية.
وحصلت تظاهرات بعد صلاة الجمعة في مدن عدة في الضفة الغربية المحتلة. في وسط مدينة رام الله، هتف محتجون "الحرية لغزة"، كما ردّد بعضهم شعارات مؤيّدة لحركة حماس، وفق مراسل لوكالة فرانس برس.
كذلك، شارك أكثر من خمسة آلاف شخص في تظاهرة في عمان مطالبين بإلغاء معاهدة السلام التي وقعها الأردن مع إسرائيل في العام 1994، تضامناً مع الفلسطينيين وتنديداً بتواصل القصف الإسرائيلي على قطاع غزة.
ونظمت تظاهرات أخرى في مناطق أردنية أخرى.