تشهد المرحلة الحالية قفزات سعودية يقودها ولي العهد من خلال ترسيخ السلام وبناء خطط التطوير الاقتصادية الضامنة للاستدامة، ولأجل ذلك اكتست العلاقات السعودية - التركية بكثير من الانسجام والتعاون سواء في الاقتصاد أو التصنيع العسكري، وسبقها الاتفاق المشروط الذي رعته الصين بين السعودية ونظام طهران بشأن دعم الجهود السلمية للملفات الساخنة بين السعودية وإيران، وكذلك استؤنفت العلاقة بين قطر وشقيقاتها في الخليج والوطن العربي، وقدمت السعودية التسهيلات الممكنة المساهمة في إنجاح مونديال قطر العالمي، وكذلك لم تغفل المملكة عن مد يد العون والمساعدة في تخفيف معاناة الشعوب العربية التي لا تزال تعاني من آثار وتداعيات ما يسمى بالربيع العربي، محاولة بذلك أن تكون هذه الدول الشقيقة شريكة في الرؤية السعودية الواعدة للمنطقة كلها، بل تأثيرها سيكون عالميا، ولذلك تتطلع الشعوب والقيادات جميعا إلى ما سيحصل في السعودية مع اقتراب عام 2030، وهذه المدة وإن كانت طويلة إلا أنها تستحق لما ينتظر من مشاريع جبارة ستغير وجهة المنطقة كاملة، ويستوي في المراقبة الصديق القريب والعدو البعيد، بغض النظر عما يتمناه كل فريق منهما.
ومن الجدير بالملاحظة أن المملكة لا تستهين بأي دولة وتنظر بعين العقل الثاقب لما تتميز به تلك الدول وتحاول الاستفادة منه وبناء العلاقات الدبلوماسية على غراره، وهذا ما جرى مؤخرا سواء مع روسيا وإيران بشأن النفط، وتركيا بشأن الطائرات بدون طيار، والقائمة تطول وتزداد لتشمل العديد من الدول التي ستنضم إلى مسيرة تحقيق الرؤية الشاملة.
واستكمالاً لمسيرة تحقيق القوة والنهوض بالمنطقة من خلال السلام والتكامل، وحرص المملكة على تعزيز الترابط مع كافة التجمعات الكبرى حول العالم لدعم وترابط العالم العربي والشرق الأوسط مع هذه التكتلات، انضمت المملكة لمعاهدة الصداقة والتعاون مع رابطة آسيان لتؤطر وتعزز العلاقات بين المملكة ودول الخليج مع هذه الدول الآسيوية. فأتت استضافة المملكة للقمة الخليجية مع رابطة دول الآسيان امتداداً لاستضافتها لقمم واجتماعات وزارية مختلفة هذا العام مع عدد من التكتلات، منها القمة الخليجية مع دول آسيا الوسطى، وكذلك الاجتماع الوزاري العربي مع دول الباسفيك.
يعتبر تجمع آسيان أحد أهم التجمعات الاقتصادية في العالم، حيث تأسس عام 1967 ويضم في عضويته عشر دول هي: إندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلند وبروناي وفيتنام ولاوس وبورما وكمبوديا، ويهدف إلى تعزيز التعاون الحكومي الدولي، وتسهيل التكامل الاقتصادي والسياسي والأمني والعسكري والتعليمي والاجتماعي والثقافي بين أعضائه ودول منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
وقد عقد الاجتماع الوزاري المشترك الأول للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون ودول الآسيان عام 2009، وتم خلاله التوقيع على مذكرة تفاهم بين الأمانة العامة لمجلس التعاون وأمانة رابطة الآسيان، بهدف تعزيز التعاون بين المنظمتين في مختلف المجالات الاقتصادية والثقافية ذات الاهتمام المشترك.
وفي مجال التعاون الاقتصادي بين مجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان، يعمل الجانبان على توفير بيئة تمكينية وملائمة لتعزيز التبادل التجاري والتدفقات الاستثمارية، وتنمية المنشآت متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، والتعاون في مجال الثروة المعدنية وصناعتها، وتبادل الخبرات بين المملكة ودول آسيان في مجال التعدين من خلال إبرام اتفاقيات تعاون بين الجانبين. كما يعمل كل من مجلس التعاون الخليجي ورابطة الآسيان على خلق شراكات استثمارية استراتيجية تخدم الخطط التنموية لدول مجلس التعاون ودول الآسيان، وتشجيع وحماية الاستثمارات، ورفع وتيرة التعاون الاستثماري، وتحفيز الشراكات الاستثمارية بين القطاع الخاص للجانبين، من خلال إقامة منتديات استثمارية لبحث وتطوير الفرص الاستثمارية الحالية والمستقبلية.
وتتشارك دول مجلس التعاون الخليجي ودول رابطة الآسيان الاهتمام بتعزيز الخدمات اللوجستية بينهم، والاستفادة من المناطق الحرة والموانئ الجافة في دول الخليج العربي لاستغلال موقعها الجغرافي القريب من وسط آسيا والقارة الإفريقية والقارة الأوروبية، بما يُسهم في زيادة الاستثمارات المتبادلة، والعمل على تطوير مشاريع البنى التحتية من خلال الاستثمار المشترك وشراكات القطاع الحكومي والخاص. أما في مجال الأمن الغذائي والزراعة، فيعمل الجانبان على فتح فرص الاستثمار في مجال الاستزراع المائي، ودعم الشراكة والتعاون من خلال نقل وتبادل الخبرات والمعلومات في مجال الإنتاج الحيواني والنباتي، والاستفادة من الطرق الحديثة في مجال تطوير مربي المواشي والمزارع الريفية. كما تحرص دول مجلس التعاون الخليجي ودول رابطة الآسيان على استكشاف إمكانية التعاون في مجالات الطاقة وتقنيات الطاقة النظيفة منخفضة الكربون بما فيها التطوير التقني لكفاءة الطاقة والطاقة المتجددة ومصادر الطاقة النظيفة البديلة، وبحث فرص التعاون في تطوير المشاريع المشتركة لتحويل البترول إلى بتروكيماويات، ومشاريع البتروكيماويات الوسيطة والتحويلية والمتخصصة والتعاون في مجال تطوير الاستخدامات المبتكرة للمواد الهيدروكربونية.
اليوم يقف العالم على أعتاب تحولات عميقة، تتطلب استراتيجيات جديدة، وهناك ثلاث أدوات للسياسة الدولية يمكن من خلالها تحليل تطور السياسة الدولية وتوقع العلاقات المستقبلية بين الدول والاتجاهات الدولية والاستنارة بها في اختيار الإستراتيجية الأنسب هي: صراع الحضارات، والجغرافيا السياسية، ونظرية توازن القوى؛ حيث صراع الحضارات يحل مسألة من أنا، والجغرافيا السياسية تحل مسألة أين أنا، ونظرية توازن القوى تحل مشكلة ماذا علي أن أفعل؟!
والرياض قلب العالم جغرافياً لا بد أن تقلب العالم حضارةً ونهوضاً وتقدماً مزدهراً، ولا يخفى على كل مراقب أن العالم جيوسياسياً واقتصادياً وبلا شك عسكرياً يستعد لمرحلة تعيد تشكيله وتوزيع القوى فيه، فهناك حراك وتطور محموم في الداخل السعودي يستدعي ويجذب بل ينادي بالمشاركة البناءة مع جميع الدول المحيطة به أولاً والمؤثرة على منطقة الشرق الأوسط، والمملكة من منظور الإستراتيجية بأكملها تعيش لحظة تاريخية، تميزت بتنوعها وغناها الثقافي، ومع ازدهارها وتطورها خلال العقود الماضية، حافظت على هويتها وتراثها الثقافي الذي يعكس واقعها الاجتماعي المتين وواقعها الجديد، هي مهد الإسلام والعروبة والتاريخ والحضارة والإرث الإنساني المجيد، بها أهم ناقل ثقافي ومعرفي في العالم العربي والإسلامي يؤثر على العواطف والأفكار والمعتقدات ومصدر مهم للقيم والأخلاق ويساهم في تكوين الروابط الاجتماعية وتوحيد المجتمعات وتشكيل الهوية، نشأت على أرضها أقدم الحضارات الإنسانية على وجه الأرض، ونظراً لأن المملكة، تقع عند ملتقى آسيا وأوروبا وإفريقيا، ومجاورة لطرق التجارة مثل البحر الأحمر والخليج العربي والبحر الأبيض المتوسط، فإنها كانت ملتقى للحضارات وتبادل الثقافات على مر العصور، وقدمت لاحقاً في عصر الحضارة والخلافة العربية الإسلامية قدرا كبيرا من جوهر الحضارات المختلفة في العالم التي ساهمت في تطوير وازدهار الحضارة الانسانية الحديثة، هذا الإرث التاريخي وبصمة القيادة السعودية وحكمتها في قارة آسيا آخذة في التوسع ما ينمي نفوذها ومصالحها ويعزز التعاون والبناء المشترك بناء على القيم والمصالح المشتركة والروابط التاريخية وتعزيز العلاقات الاستراتيجية.