قبل أيام كنا على موعد مع حدث رياضي جميل، مسار مشي جبلي (هايكنغ) ينطلق من وسط بلدة جلاجل ويمر على الكثير من بيوتها ومزارعها الأثرية، ثم يصعد إلى التلال المحيطة بالبلدة، ليشرف على معالمها الجميلة من علو، يمر على معالم كثيرة تدل على تاريخ مضى مع ما صاحبه من جوع وخوف، يبين المسار أين كنّا وكيف أصبحنا، يأخذك المسار إلى مسار الباحثين عن الماء لجلبه إلى مزارعهم، ويطلعك على الطرق الهندسية لتقاسم الماء بين المزارع، ويمر على المرقاب المطل على البلدة، وهو العلامة التي يهتدي بها الباحث عن البلدة، كما يستخدم للمراقبة والإنذار المبكر في ذلك الوقت، ثم ينتهي المسار في الجانب الآخر من البلدة بمدرسة البنات التي كانت ذكرى أليمة، وشاهداً على غياب شروط السلامة في بداية تعليم البنات، ففي يوم ماطر انهدم جزء من المبنى ليدفن تحته عدد كبير من الطالبات، توفي منهن 17 طالبة.
وقد تم تنفيذ الممشى بجهود مشتركة من بلدية جلاجل وجمعية درب، وتمويل من رجل الخير والوجيه أبي زكي عبدالعزيز الشويعر، ومتابعة من العميد الطيار المتقاعد عبدالله السلمان الذي تبنى المسار منذ بدايته كفكرة، والجميل أنه تم الافتتاح برعاية وحضور ومشاركة محافظ المجمعة سمو الأمير عبدالرحمن بن عبدالله بن فرحان آل سعود. والحقيقة أن بلدة جلاجل تعد مثالاً يحتذى للتعاون بين الأهالي والجهات الحكومية لجعلها مدينة صحية تتوافر فيها جودة الحياة.
الحدث الثاني كان في مدينة الرياض، حيث أقيم الماراثون السنوي بأطواله المختلفة وبجهود القائمين على الرياضة في المملكة وبرنامج جودة الحياة والاتحاد السعودي لألعاب القوى، ليصبح تظاهرة رياضية يشترك فيها الجميع ومن مختلف الأعمار، ومن الجنسين من داخل المملكة وخارجها، والماراثون حدث رياضي يقام في معظم عواصم الدول المتقدمة، حيث تقفل الشوارع التي يمر بها المشاركون، وتتخذ جميع إجراءات السلامة لضمان سلامة المشاركين.
هذا المسار وهذا الماراثون يدل على وعي المسؤولين والمجتمع بأهمية الرياضة، وهذا يقودنا إلى تبني المقترحات الآتية:
أولاً: الرياضة من أهم أسباب مقاومة الأمراض قبل حدوثها، فهي المقاومة لزيادة الوزن والسمنة المفرطة، والتي تعد الحاضنة للكثير من الأمراض المزمنة، كمرض السكري الذي تحتل فيه المملكة مراتب متقدمة في نسبة انتشاره على مستوى العالم. وهذا يحتم ضرورة تكثيف الرياضة بوجود حدائق كبيرة ومسارات للمشي في كل مدينة وقرية، ثم توعية المجتمع بأهميتها لجودة الحياة، والتخلص من الأمراض، خصوصاً في خريف العمر ومتطلباته. المجتمع الصحي هو الذي يمارس الرياضة يومياً، ولديه برنامج للرياضة واللعب والعمل والترفيه بأنواعه.
ثانياً: مشاركة المسؤول الأول في كل مدينة ومحافظة يعد من أهم أسباب نجاح البرامج والمبادرات الهادفة لخدمة المجتمع، ومنها الرياضة، وهذا ما لمسته في مسار جلاجل وماراثون الرياض وقبلها في درب زبيدة في حائل، حين يشارك المسؤول الأول تبادر كل الجهات الحكومية كالبلدية والأمن العام للمشاركة، وتقديم العون والمساعدة.
ثالثاً: مشاركة كل أفراد الأسرة في المناسبات الرياضية يعد من أهم وسائل تعميم الرياضة للجميع، وهذا يتطلب أن يبادر كل من الأب والأم لجعل الرياضة ممارسة يومية، فيقدمان نموذجاً يحتذى، وكما يقال: "القدوة خير موعظة"، وتعد رياضة الهايكنغ من أفضل الرياضات التي يحبها الصغار والشباب بشكل خاص.
رابعاً: من المستحسن أن ترتب المدارس التي لديها مسارات جبلية أو حدائق زيارات ومشاركات لزرع حب رياضة المشي المفيدة للغاية، وأن يكون من ضمن الأهداف المحافظة على نظافة المسار أو الحديقة، وعدم رمي المخلفات مثل علب الماء وغيرها. التعليم بكل مراحله يعد فرصة لا تعوض لزرع القيم والعادات المفيدة بالتطبيق والممارسة وليس بالتلقين والحفظ، فالعادة لا تترسخ إلا بتكرار الفعل مرات عديدة.
المجتمع الصحي هو الذي يحرص أفراده على ممارسة الرياضة، والحث على التطوع بالوقت والمال لتهيئة مثل هذه المسارات، وفي هذا تنويع لأوجه البذل، وعدم اقتصارها على ما كان سابقاً، فالمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، والقوة في الإيمان وفي العقل والبدن.