أعلم بأني سأتعرض للكثير من النقد، وربما التجريح والمُزايدة بالوطنية، بعد نشري لهذا المقال، لأني أتناول فيه حقائق لا تحب الغالبية الداجنة التي لحَسَت بروباغندا التسويق، التي سَبقت خليجي 25، عقلها وأنسَتها بؤسها، أن تسمعها أو تراها. فمُحاولات الإبهار التي رافقت إفتتاح البطولة بالسينوغرافيا والألعاب النارية والأغاني الحماسية، لم تصمد سوى ساعات، حتى بدأت أخبار سوء التنظيم تتوارد، حينما لم يتمكن مئات المشاهدين الذين إشتروا تذاكر مِن دخول الملعب، فيما سُمِح لمئات غيرهم بالدخول دون تذاكر، بعد أن وضَعت حماية رئيس الوزراء وبعض المسؤولين يدها على الأمر، وتحول الى سَمسَرة رخيصة، مما تسَبّب بمشاكل حتى مع أحد الوفود.
قد لا يعلم الكثير من هؤلاء، أو يتصرفون وكأنهم كذلك، خصوصاً ممن يدعون حب العراق والدفاع عن عروبته ورفض الهيمنة الإيرانية على مقدراته، أن حُكام البصرة الذين رَوّجوا لإستضافتهم بطولة كأس الخليج العربي، أو خليجي 25 كما أسموها ترضية لأسيادهم في قم، وكأنها حدث وطني يجب دعمه! هُم من إستضافوا قبله بأيام في جامعة البصرة مهرجاناً تأبينياً للمجرمَين سليماني والمهندس، وقرروا رفع دعوة في محكمة عراقية تطالب بإلقاء القبض على الرئيس الأمريكي السابق ترامب ومحاكمته! هذه هي حقيقتهم التي رأتها أعيننا بدل أن تذرف الدموع على أغاني إستجداء المشاعر، لأننا لم نتعود أن نغمضها عن الجرائم والفساد، وبالتالي خليجي 25 لا يَجُب ما قبله. فهو لم يكن حدثاً إيجابياً كان ينبغي أن نشيد به كما ننتقد السلبيات حسب قول البعض، بل كان محاولة للتغطية على السلبيات وجعلها أمر واقع يعتاده الناس. كنا سنُشيد به وبجهود القائمين عليه، لو تأكدنا بأنها خالصة للعراق، وليست لتمرير أمر ما، أو تبييض صفحة فاسدة! لو أنهم إمتلكوا شجاعة الإبقاء على الإسم الأصلي للبطولة، بدل تحويره خوفاً من زعل أسيادهم! أو لو أنهم قبل البطولة بسنوات أو حتى بأشهر، طَهّروا البصرة من مليشيات لملوم الحشد التي غرّرت بكثير من شباب العراق وحولتهم الى مرتزقة لإيران، أو لجموا عشائرها التي تتقاتل بالمدافع على ديك، أو وفّروا ماء صالح للشرب لأهالي مدينتها، أو وضعوا طابوقة في أساس مدرسة لائقة لأبنائها، أو مستشفى نظيفة لمرضاها! رغم أن هذا الأمر هو واجبهم أساساً، ولا يستحقون الإشادة عليه! لكن البعض للأسف "فقَع في الوَخ" كما يقول الزعيم عادل إمام في فيلم "مرجان أحمد مرجان" وغلبت عاطفته عقله، وإنطلت عليه كلاوات عَرّابي خليجي 25 ومخططاتهم، ونسي كل ما ذكرناه أعلاه!
أما الإسم الذي أطلق على البطولة فهو فضيحة وعار على من قبل به وإستمرأه، لأنه إسم على غير مُسَمّى، و وَصف لا يدل على المَوصوف بل على مجهول قد يكون أي شيء وفي أي مكان، والسبب معروف طبعاً وهو عدم الرغبة بإستفزاز الجارة العزيزة وجرح مشاعرها، لأنها لا تعترف أن الخليج عربي وتُصِر على تسميته بالفارسي، رغم أن تسمية "الخليج العربي"، حسب أستاذنا المؤرخ والمفكر الدكتور سيار الجميل، كما أورد في الفصل الثالث من كتابه قيد النشر"التكوين التأريخي للخليج العربي وشرقي الجزيرة العربية"، ونقلاً عن صفحته في الفيسبوك، تعود الى المؤرخ الروماني گايوس پلنيوس الذي عاش في القرن الأول للميلاد، في فترة كانت المنطقة بالكامل، وبضمنها سواحل الخليج الشرقية والغربية، عربية وفارسية، تحت سيطرة الإمبراطورية الرومانية، وهو جانب لا أريد الخوض فيه، وأتركه لأصحاب الإختصاص. لكن سأتناوله من جانب أن البطولة منذ تأسيسها إسمها بطولة "كأس الخليج العربي"، إلا أنه تحول هذه المرة وبقدرة قادر الى بطولة "خليجي"، وهو إسم قد يطلق على بطولة تنظمها الولايات المتحدة الأمريكية والمكسيك وكوبا التي تطل على خليج المكسيك، أو بطولة قد تضم الهند وماليزيا وبنغلادش وسريلانكا التي تطل على خليج البنغال، فأي خليج يقصدون؟ كيف سيعرف الأثيوبي والسويدي والسنغافوري أنهم يقصدون الخليج العربي؟ إلا أن هذا هو المقصود، وهو التعتيم على الأمر، وعدم إثارة الإنتباه حوله من جديد بعد عقدين من محاولات إيران الحثيثة والناجحة لقطع أي رابط للعراق بمحيطه العربي الذي تمثل دول الخليج حبله السري، بل وإثارة شعور بالنفور منهم والرغبة بالإنسلاخ عنهم، بإعتبارهم يكرهونهم ومصدر الإرهابيين الذين كانوا يفجرون أنفسهم بينهم وغيرها من الأكاذيب التي ثبت زيفها وترويج إيران لها، لكن الجهل غلاب ولا زال الكثيرون يصدقون بروباغندا إيران. وسواء كانت فكرة الإسم الجهنمية من أفكار عمائم إيران أو غلمانها في العراق، لا فرق، فليس غريباً أن يبادر غلمانها بذلك ترضية لها، أو أن يكون أمراً أصدرته هي وأطاعوه، بدليل آلاف الإيرانيين المتشددين الذين قدموا طلباً الى وزارة الخارجية الإيرانية يدعوها لتقديم شكوى ضد الصدر ورئيس الوزراء، لإستخدامهم لفظ الخليج العربي! الغريب في الأمر هو موافقة دول الخليج على مهزلة الإسم وتمريرهم لها، وهو ما يفسره البعض كعربون لإعادة العراق الى حضنه العربي، لكنه كلام مردود عليه، لأن دول الخليج تعلم أن ما فعلته إيران على مدى عقدين، لن يُزيل تأثيره، أو حتى يخدشه، هكذا تنازل مُذِل للسماح للعراق بتنظيم بطولة، بل إنهُم بتنازلهم حَقّقوا لها مبتغاها ورسخوا وجودها وأعطوها ورقة إضافية لتستخدمها ضدهم في العراق. المؤسف أيضاً، هو أن قِلة من العراقيين إستفزتهم تسمية "خليجي 25" بدل "كأس الخليج العربي"، وبالمقابل دافع عنها كثيرون، لا بل دَعَوا الى عَدم الإلحاح على تسمية الخليج العربي حتى لو تطلب الأمر تسميته "الخليج المتنازع عليه"! رغم أنهم أنفسهم مَن حَمى حَمّامهم في2017 على ما هو أبسط بكثير، وصعدوا حينها منابر ليزايدوا بالحرص على العراق وعروبته بوجه مَن هُم أحرص عليها منهم!
إن ما حصل في فيلم بطولة خليجي 25 مثال صارخ على عملية تدجين للوعي، قام بها أتباع إيران في العراق للعراقيين، مستغلين أننا نعيش في زمن باتت فيه كرة القدم بالإضافة الى الدين عامل مخدر للمجتمعات، رغم الفارق بين ضرر الدين وفائدة الرياضة، وبالتالي يمكن بواسطتها أن تحول مَحمّية الأخوان لديرة فخر ويَزَن! ومَحميّة حزب وثار وبقية الله لجنة عَدَن! فمن خلال تنظيم البطولة، والتسويق لها قبلها، والترويج لها بعد إنطلاقها، وإضافة بعض البهارات العاطفية عليها، جعلوا العراقيين يتقبلون فكرة أن مدينة البصرة المنكوبة التي تمثل أسوء نموذج إدارة في العراق، الفاقدة لأبسط الخدمات الإنسانية، وبؤرة المليشيات الإرهابية التي تقتل على الهوية، والعشائر البدائية التي تتقاتل على رَقِيّة وتنهي مشاكلها بـ50 إمرأة كفصلية، باتت قمرة وربيع. بل نجحوا في دفعهم لرؤية أن من هَجّرَهم وأبادَهم وهَجَم مدنهم على رؤوسهم وإرتكب بحقهم أبشع الجرائم والمذابح ومحا أثرهم الى سابع جد، وطني، لمجرد أنه أقام لهم حفلة أو مهرجان أو بطولة، وقد يهاجمونك لأنك إنتقدته رغم أنك كنت تدافع عنهم لسنوات بالضد منه! كما إقنعوهم بإغماض عَين عَن سنوات و99% من الحقائق المرعبة، تجسدها آلاف العشوائيات والأرامل والأيتام، وإنعدام الماء والكهرباء والمدارس والمشافي، وعشرات المليشيات الإرهابية التي تسرح وتمرح في البصرة وتذل أكبر شارب فيها، وعشائر تتعامل مع بعضها بطرق لم تكن موجودة حتى في العصر الحجري. وفتح العَين الثانية على ساعات و1% من الترقيعات المزيفة التي تجسدها ألعاب نارية وأغنيات ومباريات، ليروا الدنيا حلوة والناس حلوة والوطن باسم سعيد!
سؤال أخير نطرحه ونعلم جوابه، لكننا سنترك الجواب لتظهره الأيام التي نتمنى أن تثبت خطأنا، ليراه الناس بأم أعينهم، لعلهم يصحون من حالة إنعدام الوزن التي يعيشونها. والسؤال هو: هل أن لغة الطائفية التي جاءت بحكام العراق الحاليين إلى الحكم، وثبتت أقدامهم فيه لعقدين، والتي غابت فجأة عن كلمة إفتتاح بطولة كأس الخليج العربي، وحَلت مَحّلها لغة المحبة والتآخي، ستغيب عن الواقع السياسي والمجتمعي العراقي بعد إنتهاء فيلم البطولة؟ أكيد لا لأنه يعني نهايتهم. لكنه درس في "التقِيّة"، مبدأ الإسلاميين عموماً وإختصاص الإسلاميين الشيعة تحديداً، وهو ناجح مع مجتمع كالعراقي ذاكرته ضعيفة، يُراهن عليها ويستغلها الطائفيون والفاسدون منذ عقود، ويكسبون الرهان في كل مرة، لأن العراقيين لا يراجعون أخطائهم، فحينما يُخطئون لا يعترفون بذلك، بالتالي لا يعالجون فقدان ذاكرتهم، لأنهم لا يرون أنفسهم مصابين بالزهايمر، وإنما يعتبرون أنفسهم مفتّحين باللبن، رغم أن أي تافه أو كاذب أو فاسد أو دجال يمكن أن يَسرَح بالآلاف منهم ويذهب بهم الى الشط ويُرجِعهم عطاشى، أو حتى يقنعهم أن يرموا بأنفسهم فيه فدائاً للمذهب أو الوطن أو القومية أو الطائفة!