المملكة دولة مهمة ومهابة في المنطقة، والتمسك بالعلاقات الدولية المتميزة معها لا غنى لها ولا لغيرها عنه، وأي خيار بديل هو خيار لا يعوّض عن العلاقات مع المملكة، وأي محاولة للضغط على الرياض لإملاء سياسات عليها تتعارض مع إستراتيجيتها، ولا تستجيب لتحقيق مصالحها، هي إملاءات محكوم عليها بالفشل.
فالمملكة اقتصاديًا، وسياسيًا، وموقعًا إستراتيجيًا، لا يسمح لكائن من كان بالقفز على سياسات وقناعات تؤمن بها، فضلاً عن أن مكانتها الدينية، ودورها المحوري إسلاميًا، وامتداد علاقاتها الدولية إلى كل دول العالم تقريبًا وبتميز تضعها في الموقف الأقوى في التمسك بثوابتها.
كثيرٌ من الدول حاولت اختبار المملكة لمعرفة إمكانات هز سياساتها، ومدى أن تتجاوب بما لا تؤمن به، فلم تغير تلك المحاولات من مواقفها، ولم تبدل من سياساتها، وظلت كما هي صامدة وثابتة وملتزمة بكل ما يحافظ على مصالحها، ويكرس قوتها، ويعزز من مكانتها بين دول العالم.
ولو لم تكن المملكة حاضنة للقيم والمبادئ، صادقة في التعامل، وحريصة على مصالحها ومصالح الآخرين، ملتزمة بالمواثيق ولا تتصرف بما يؤذي غيرها، لما كان لها كل هذا الاحترام والحضور والتقدير والمكانة العالية على امتداد دول العالم.
حاول الرئيس الأمريكي جو بايدن أن يختبر قوة المملكة خلال حملته الانتخابية، وقال ما قاله عنها من كلام لا ينسجم ولا يتوافق مع العلاقات الإستراتيجية والتاريخية بين المملكة وأمريكا، وعزز ذلك حين فاز بالانتخابات بكلام لا يليق بزعيم لأكبر دولة في العالم ولم ترد المملكة عليه، بل التزمت الصمت، ونأت بنفسها عن أي تصعيد يضر بالعلاقات بين بلدينا.
وحين أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية رسميًا عن اتهامها للمملكة بالوقوف وراء تفجيرات أحداث الحادي عشر من سبتمبر باتهامات باطلة، كان رد الرياض قويًا وواضحًا وشفافًا في بيان تحدت فيه واشنطن بأن تثبت بالدليل القاطع مصداقية هذه الاتهامات، فكان الجواب الأمريكي الصمت والتواري، والاكتفاء بما أعلنته من اتهامات لا دليل ولا مصداقية فيها.
وأمام الموقف الأمريكي غير المتوازن إعلاميًا وسياسيًا من المملكة، لم تحرص الرياض على طلب أي لقاء بالرئيس الأمريكي، ردًا على موقفه من سمو ولي العهد، وتصريحاته غير المبررة عن المملكة، وتركت أمر العلاقات بين بلدينا لمراجعة أمريكية لملفاتها التاريخية في الوقت المناسب، لأنها بكل تفاصيلها قادرة على إعادة العلاقات إلى مجاريها وأفضل.
الآن قرر الرئيس الأمريكي أن يزور المملكة، متجاهلاً الضغط اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي سوف يجتمع بخادم الحرمين الشريفين، ويجلس مع الأمير محمد بن سلمان، ويتناقش مع سموه حول مستقبل ومستجدات العلاقات بين الرياض وواشنطن، مدركًا بأنه لا خيار آخر أمام واشنطن غير المملكة في تثبت مصالح الولايات المتحدة الأمريكية ودول المنطقة والعالم في منطقة الشرق الأوسط.
أكثر من هذا، فقد كانت المملكة هي خيار الرئيس الأمريكي جو بايدن لعقد مؤتمر قمة تحضره دول مجلس التعاون وكلٌ من مصر والأردن والعراق، لفتح كل الملفات حول ما تمر به دول المنطقة من تحديات، تضر بمصالحها ومصالح أمريكا نفسها، وهو ما يعني أهمية المملكة في علاقاتها بأمريكا، وأهمية أمريكا بعلاقاتها مع المملكة.
في جولة الرئيس الأمريكي هناك قضايا شائكة، أهمها الإرهاب الإيراني، والمفاعل النووي الإيراني، الوضع في سوريا والعراق ولبنان واليمن وليبيا والسودان وتونس، وكلها قضايا وموضوعات ساخنة، القاسم المشترك في كثير منها التدخل الإيراني، وشبكة طهران الواسعة من الميليشيات في بعض دول المنطقة، فماذا سيفعل الرئيس الأمريكي؟
فدول المنطقة لا تحتاج إلى حماية من الولايات المتحدة، فلديها من القوة العسكرية ما تمكنها من حماية نفسها، ولكن المطلوب من أمريكا منع إيران من العبث بمصالح دول المنطقة والعالم، والحيلولة دون استكمال بناء ترسانتها النووية القادمة، والوقوف ضد دعمها للإرهاب بالسلاح والمال، وإلا فإن الرئيس الأمريكي سيعود إلى بلاده، وما تم الاتفاق عليه سواء في زيارته للمملكة أو خلال القمة القادمة إن لم يتم تنفيذه، وكأنه حبرٌ على ورق.