تونس: أعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد الأحد حلّ المجلس الأعلى للقضاء الهيئة الدستورية المستقلة معتبرا أنه يخدم اطرافا معينة بعيدا عن الصالح العام ما أثار مخاوف يشأن وضع حقوق الانسان في البلاد.
تزامنت تصريحات سعيّد مع تنظيم تظاهرة طالبت القضاء بـ"الحقيقة" في ملف اغتيال مناضل سياسي منذ تسع سنوات وأيدت قرار الرئيس. كما تظاهر عشرات أمام مقر المجلس الأعلى ترحيبا بقرار حلّه.
وقال سعيّد في مقطع فيديو نشرته رئاسة الجمهورية خلال زيارة الى مقر وزارة الداخلية "ليعتبر هذا المجلس نفسه في عداد الماضي"، مشيرا إلى أن "هذا المجلس أصبحت تباع فيه المناصب بل ويتم وضع الحركة القضائية (التعيينات فيه) بناء على الولاءات".
واضاف سعيّد الذي أعلن في 25 تموز/ يوليو تعليق اعمال البرلمان واقالة رئيس الحكومة وتولي السلطات في البلاد "سنعمل على وضع قانون او مرسوم مؤقت للمجلس الأعلى للقضاء"، مؤكدا أن "اموالا وممتلكات تحصل عليها عدد من القضاة المليارات المليارات (...) هؤلاء مكانهم المكان الذي يقف فيه المتهمون".
ولم يقدم الرئيس أي تفاصيل عن قراره وعن مضمون المرسوم الرئاسي الذي سينشره.
كما اكدت الرئاسة في بيان نشر مع مقطع الفيديو ان سعيّد شدّد "على حق التونسيين في معرفة الحقيقة، وعلى أن من أولى حقوقهم قضاء عادل يشرف على تسييره قضاة لا يطبقون إلا القانون".
والمجلس الأعلى للقضاء مؤسسة دستورية "ضامنة في نطاق صلاحياتها حسن سير القضاء واستقلالية السلطة القضائية"، حسب الدستور، ومن بين صلاحياته اقتراح الإصلاحات الضرورية في مجال القضاء.
ويتكون المجلس الذي أحدث في العام 2016 من 45 عضوا بين قضاة ومتخصصين في القانون تم انتخاب ثلثيهم من قبل البرلمان. وكان سعيّد قرّر في خطوة أولى في 19 من كانون الثاني/يناير الفائت حذف المنح والامتيازات المالية لأعضاء المجلس.
يأتي قرار سعيّد بعد انتقادات شديدة وجهها للقضاء واثر تواتر دعوات من أنصاره إلى حل المجلس و"تطهير القضاء".
وفي ردّه على اعلان سعيّد، عبّر المجلس الأعلى للقضاء عن رفضه للقرار "في ظل غياب آلية دستورية وقانونية تجيز ذلك" ودعا الأعضاء لمواصلة مهامهم "والتمسك بمجلسهم".
واعتبرت منظمة "لجنة الحقوقيين الدولية" في تغريدة أن "كل مرسوم لحل المجلس هو غير قانوني وغير دستوري" ويعني "نهاية الفصل بين السلطات في تونس".
إلى ذلك أكد الناطق الرسمي باسم حركة النهضة عماد الخميري لفرانس برس ان "هذا القرار ضرب لاستقلالية القضاء بتجميع لكل السلطات في يد شخص...هذه سابقة خطيرة لم تشهدها تونس حتى زمن حكم التسلط والاستبداد والديكتاتورية".
وفي ساحة حقوق الانسان بالعاصمة تونس تظاهر المئات الأحد اثر اعلان سعيّد ، في الذكرى التاسعة لاغتيال المناضل السياسي اليساري شكري بلعيد مطالبين القضاء بكشف "حقيقة الاغتيال".
ودعا سعيّد إلى "التظاهر بكل حرية من دون الالتحام مع قوات الأمن".
وردد المحتجون وهم يمثلون أكثر من عشرين منظمة ونقابة وحربا بما فيها "الاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)" و"الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان"، شعارات منها "محاسبة محاسبة" و"نريد قضاء مستقلا عن الاحزاب والسلطة".
وكانت وزارة الداخلية ذكرت السبت انه يمنع التظاهر تطبيقا لقرار تم اتخاذه للحد من انتشار وباء كوفيد-19.
وفي السادس من شباط/فبراير 2013، اغتيل المعارض اليساري شكري بلعيد في تونس العاصمة. وتبنى إسلاميون متطرفون الاغتيال الذي أثار أزمة سياسية انتهت بخروج حركة النهضة من الحكم واطلاق حوار وطني بين كافة المكوّنات السياسية وتم الاتفاق على تشكيل حكومة تكنوقراط امنت وصول البلاد الى انتخابات في 2014.
ومنذ ذلك التاريخ فتح القضاء تحقيقا ولم يصدر حتى اليوم احكامه في القضية ولا حتى في قضية اغتيال النائب السابق في البرلمان محمد البراهمي في 25 تموز/يوليو في العام 2013.
وقال سعيّد في هذا الصدد " للأسف تم التلاعب بهذا الملف من قبل عدد من القضاة في النيابة والمحاكم".
وصرح شقيق شكري بلعيد والذي شارك في التظاهرة لفرانس برس ان "النهضة ومنذ تسع سنوات تتلاعب بالملف ويعطلون ويحاولون تفكيكه لكي لا نصل الى الحقيقة".
وتابع عبد المجيد بلعيد "واثر قرار حلّ المجلس الاعلى للقضاء، انا على يقين بأن قضاة شرفاء سيتولون الملف وسيحاسب من اجرم في حق الشعب" مؤكدا أنه "ما لم يتم حل المجلس لن تكشف الحقيقة".
وغالبا ما يشير سعيّد في انتقاداته للقضاء إلى حزب النهضة، غريمه السياسي الذي يعتبر ان ما يقوم به الرئيس منذ 25 تمّوز/يوليو "انقلاب" على الدستور وعلى الثورة.
من جهته أكد عميد المحامين التونسيين إبراهيم بودربال لفرانس برس "عندما سيصدر المرسوم سنتعامل معه بصورة ايجابية".
ويواجه سعيّد انتقادات من قبل حقوقيين واحزاب سياسية تتهمه بأنه يريد "وضع اليد" على سلك القضاء.
ورأى المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي أن "من المشاكل الكبرى في تونس ان القضاء لم يحسم في العديد من القضايا ولم يقم بالاصلاحات"، مضيفا لفرانس برس أن هذا "منح الفرصة لسعيّد للقيام بحلّ المجلس".
وكان الرئيس التونسي علّق العمل بأجزاء من الدستور ضمن قرارات وتدابير استثنائية وأعلن خارطة طريق سياسية في العام 2022 تبدأ باستشارة واستفتاء شعبي منتصف العام على ان تنتهي بانتخابات نيابية في كانون الاول/ديسمبر القادم.
وينظر الى تونس على أنها البلد الوحيد الناجي من تداعيات ما سمي "بالربيع العربي" بعد أن سلكت طريق الديموقراطية، على عكس باقي الدول العربية التي شهدت انتفاضات منذ العام 2011 ثم غرقت في الفوضى والنزاعات. وتثير التدابير التي يواصل اتخاذها الرئيس سعيد منذ أشهر مخاوف من عودة الدكتاتورية.