الخرطوم: شهد السودان الأربعاء أكثر أيامه دموية منذ انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان في 25 تشرين الأول/أكتوبر، مع مقتل 14 متظاهرا معارضين للحكم العسكري فيما عزل السودانيون عن العالم بقطع خدمات الهواتف والانترنت بالكامل.
وقالت لجنة الأطباء المركزية وهي نقابة مؤيدة للحكم المدني إن 11 شخصا من بينهم امرأة قتلوا بالرصاص في ضاحية العاصمة الشمالية وحدها وقد قتلوا "جميعهم برصاص حي بين الرأس والصدر والبطن".
وترتفع بذلك حصيلة الضحايا الذين سقطوا نتيجة قمع قوات الأمن للمتظاهرين منذ قاد قائد الجيش عبد الفتاح البرهان انقلابا على شركائه المدنيين في الحكم في 25 تشرين الأول/اكتوبر، الى 38 قتيلا بينهم ثلاثة مراهقين. وسقط أيضا مئات الجرحى.
وسبق أن نزل عشرات الآلاف من السودانيين الى الشوارع مرتين في 30 تشرين الأول/اكتوبر وفي 13 تشرين الثاني/نوفمبر احتجاجا على الانقلاب.
وأشارت لجنة الأطباء المركزية إلى أن ثمة "عشرات الإصابات متفاوتة الخطورة يجري معالجتها وحصرها".
قنابل مسيلة للدموع
وقال شهود لوكالة فرانس برس إن قوات الأمن أطلقت كذلك قنابل الغاز المسيل للدموع في وسط الخرطوم وفي منطقة بحري، شمال شرق العاصمة التي قطعت عنها كل خدمات الاتصالات الهاتفية كما قطع عنها الانترنت منذ 24 ساعة.
واعتاد السودانيون منذ انقلاب الخامس والعشرين من تشرين الأول/اكتوبر على أن يتبادلوا المعلومات والدعوات الى التظاهر عبر الرسائل النصية القصيرة بدلا من وسائل التواصل الاجتماعي بسبب انقطاع خدمة الانترنت لفترات طويلة ولكن منذ بعد ظهر الأربعاء لم يعد بوسعهم حتى الوصول الى أي شبكة من شبكات الهواتف.
وقالت سهى وهي متظاهرة في الثانية والأربعين من عمرها "اليوم العنف شديد جدا ولم نكن قادرين على التجمع بسبب الانتشار الأمني ".
وأضافت لوكالة فرانس برس "كان هناك طوال الوقت اطلاق للغاز المسيل للدموع وقنابل صوتية كما كانت هناك اعتقالات كثيرة".
ومساء الاربعاء، قال تجمع المهنيين السودانيين، وهو تكتل نقابي قام بدور محوري في اطلاق "الثورة" التي اسقطت عمر البشير بعد خمسة اشهر في الاحتجاجات في نيسان/ابريل 2019، إن "ما يجري اليوم في شوارع ومدن السودان هو جرائم بشعة ضد الإنسانية تتضمن القتل العمد (..) إلى جانب انتهاك الكرامة بالضرب واقتحام البيوت بالقوة المسلحة" مع "تعمد قطع كل وسائل الاتصال لإخفاء وتغطية عشرات الجرائم الأخرى".
وتفيد الشرطة أنها لا تفتح النار فيما أعلن التلفزيون الرسمي فتح تحقيق حول مقتل متظاهرين.
واتهمت نقابة الاطباء مساء الأربعاء القوى الأمنية بمطادرة المتظاهرين حتى داخل المستشفيات وإطلاق الغاز المسيل للدموع باتجاه الجرحى وسيارات الإسعاف.
إغلاق طرق
ورغم الخطر لا يزال متظاهرون متواجدين في منطقة بحري المشتعلة ومع حلول الليل بدأ المحتجون بوضع متاريس في الشوارع.
ومنذ الصباح، انتشرت قوات شرطة وجيش بكثافة في العاصمة السودانية مسلحين ببنادق آلية وأغلقوا الطرق المؤدية الى مقر القيادة العامة للقوات المسلحة والى قصر الرئاسة ومقر الحكومة.
وبدأ الالاف في التدفق بعد الظهر في أحياء عدة في الخرطوم وهم يهتفون "لا لحكم العسكر"، "السلطة سلطة الشعب" و"الشعب يريد المدنيين".
حمل المحتجون صور "الشهداء" الذين سقطوا خلال الاحتجاجات ضد الانقلاب وكذلك صور 250 شخصا قتلوا أثناء التظاهرات التي استمرت خمسة أشهر وأدت الى اسقاط عمر البشير في نيسان/ابريل 2019.
كذلك، شهدت مدينة بورتسودان في الشرق، على البحر الأحمر، خروج عدة تظاهرات.
بلينكن
أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأربعاء أن السودان سيحظى بدعم المجتمع الدولي ومساعداته مجددا في حال إعادة "الشرعية" للحكومة التي تمت الاطاحة بها اثر الانقلاب العسكري.
وقال في مؤتمر صحافي عقده في نيروبي، في مستهل جولة افريقية "من الحيوي استعادة الشرعية التي كانت تتسم بها المرحلة الانتقالية (...) إذا أعاد الجيش الأمور إلى مسارها وفعل ما هو ضروري، أعتقد أنه من الممكن استئناف دعم المجتمع الدولي الذي كان قوياً للغاية".
وعلقت الولايات المتحدة مساعدات قيمتها 700 مليون دولار عقب الانقلاب.
وكانت مساعدة وزير الخارجية الأميركي للشؤون الافريقية مولي في قامت خلال الأيام الأخيرة بجولات مكوكية بين ممثلي القوى المدنية، ومن بينهم رئيس الوزراء عبد الله حمدوك الذي أقاله الجيش ووضعه قيد الاقامة الجبرية، وبين العسكريين في محاولة للتوصل الى تسوية تتيح العودة الى المرحلة الانتقالية المفترض أن تقود الى سلطة منتخبة ديموقراطيا في العام 2023.
مجلس سيادي
ولكن قائد الجيش لا يعتزم على ما يبدو العودة الى الوراء: فقد أعاد الاسبوع الماضي تعيين نفسه على رأس المجلس السيادي، أعلى سلطة خلال المرحلة الانتقالية، بعد أن أعاد تشكيله مستبعدا منه ممثلي قوى الحرية والتغيير وهو تحالف المدنيين المنبثق عن الانتفاضة ضد البشير.
ومع ذلك، أكد البرهان مجددا للدبلوماسية الأميركية أنه يعتزم اجراء انتخابات عامة في 2023 ويكرر بانتظام أنه لم يفعل سوى "تصحيح مسار الثورة".