الرباط: رسم إدريس جطو، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات في المغرب، أمام أعضاء غرفتي البرلمان المغربي، مساء اليوم الثلاثاء، صورة قاتمة عن واقع التدبير العمومي بالبلاد، كشف فيها عن الأعطاب والاختلالات التي تتخبط فيها مختلف القطاعات الحيوية.
ودعا جطو إلى التعاون بين المؤسسات الدستورية من أجل القيام بالأدوار المنوطة بها، أملا في تجاوز الاختلالات المرصودة وتطوير أداء مختلف القطاعات بهدف تلبية حاجيات المواطنين المغاربة وتقوية المؤسسات.
التعليم... إشكالية الهدر المدرسي
سجل جطو في عرضه المطول أمام نواب ومستشاري الأمة، أن قطاع التعليم يعاني من جملة اختلالات على الرغم من المجهودات المبذولة في مجال الدعم الاجتماعي للأسر، حيث أكد أن نسب الهدر المدرسي والانقطاع عن الدراسة "لا تزال مرتفعة ويفوق معدل المنقطعين عن الدراسة 300 ألف تلميذ سنويا خلال السنوات الدراسية الخمس الأخيرة".
وأفاد جطو بأن أغلب المنقطعين عن الدراسة ينحدرون من الوسط القروي، ومن المسجلين بالسلك الإعدادي على وجه الخصوص، معتبرا أن هذا الأمر يدل على أن هذه الإشكالية "تلزم منظومتنا التربوية بصفة بنيوية".
واسترسل قائلا: "إن ظاهرة الهدر المدرسي تطرح تحديات متعددة الأبعاد، ليس فقط بالنسبة إلى مردودية السياسات التعليمية، بل كإحدى الآفات التي يعاني منها مجتمعنا"، مشددا على أن هذه المشكلة لها كلفة "باهظة اقتصاديا واجتماعيا، تجعل التصدي لها يكتسي صبغة الاستعجال".
وحث جطو الحكومة على إيلاء عناية خاصة لهذا الموضوع، بأن "تدرس إمكانية الرفع من الموارد المرصودة ضمن الميزانية لفائدة برامج الدعم المدرسي واتخاذ التدابير اللازمة قصد تحسين المستويات المرجعية للدعم الجاري بها العمل حاليا، وكذا العمل على توسيع أعداد المستفيدين من هذه البرامج"، وأشار المتحدث ذاته، إلى أن التجربة "أبانت عن فعاليتها في تشجيع الأسر المعوزة على تمدرس أطفالها، وأن من شأن هذه المبادرة أن تمكن من تفادي تحمل نفقات أكبر في مواجهة االنعكاسات السلبية والخطيرة لهذه الظاهرة".
أعطاب الصحة
وعلى مستوى القطاع الصحي، أفاد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات أن المجلس "أولى اهتماما خاصا للجانب الميداني في توفير هذه الخدمة العمومية من خلال مراقبة عدة مستشفيات جهوية وإقليمية عبر ربوع التراب الوطني"، مؤكدا أن التقرير وقف على مجموعة من النقائص تتعلق ب"التخطيط الاستراتيجي والبرمجة، وعملية تدبير المواعيد، والبنايات والتجهيزات، شكلت عائقا حقيقيا أمام تقديم خدمة صحية عمومية بالجودة المطلوبة"، حسب جطو.
وأوضح جطو أن المراكز الصحية "لا توفر جميع الخدمات التي يمكن اعتبارها ضرورية وأساسية بالنسبة للمواطنات والمواطنين، حيث تغيب تخصصات عديدة من قبيل أمراض الأذن والحلق والحنجرة وجراحة الفك والوجه والأمراض العقلية"، كما سجل غياب الخدمات العلاجية في مجال الإنعاش، وعدم اشتغال مصالح الجراحة أو تلك المختصة بطب الأطفال على مستوى بعض المستشفيات المحلية".
وأشار إلى أن القطاع الصحي يعاني نقصا على مستوى الموارد البشرية، إذ تم تسجيل نقص في الموارد البشرية شبه الطبية، كما "ينذر هرم أعمار هذه الفئة بتفاقم الوضع القائم والذي يصل الآن ببعض المصالح إلى ممرض واحد لكل 60 سريرا"، وهو ما اعتبره "يؤثر سلبا على استغلال بعض التجهيزات على الوجه الأمثل وضعف في إنتاجية بعض المصالح الطبية كالوحدات الجراحية".
وعزى أسباب النقص في الموارد البشرية إلى بلوغ عدد من الممرضين سن التقاعد أو استفادتهم من التقاعد النسبي بعد قضاء 30 سنة من العمل، بالأضافة إلى تغيير عدد من الممرضين إطارهم الإداري الأصلي بالإطار الإداري المتعلق بالمتصرفين.
عجز الميزانية
على المستوى المالي، كشف الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، عن عجز تنفيذ ميزانية 2016 للخزينة قدره 56,40 مليار درهم(5,64مليار دولار )، أي ما يعادل 1,4 في المائة من الناتج الداخلي الخام مقابل 5,3 في المائة، الذي كان متوقعا في قانون المالية و2,4 في المائة المسجل سنة 2015.
وأوضح جطو أن الديون المسجلة تهم على وجه الخصوص "ست مقاولات عمومية"، هي: المجمع الشريف للفوسفات، وشركة الطرق السيارة بالمغرب، والمكتب الوطني للماء والكهرباء، والمكتب الوطني للسكك الحديدية، والمكتب الوطني للمطارات، وشركة الخطوط الملكية المغربية.
ودعا إلى ضرورة "مراجعة المنهجية التي تعتمدها الحكومة في احتساب نسبة العجز انسجاما مع مبدأ الصدقية كأحد المستجدات التي أتى بها القانون التنظيمي الجديد المتعلق بقوانين المالية".
وأضاف أن حجم العجز، حسب المنهجية المعتمدة" لا يأخذ بعين الاعتبار بعض المعطيات كالديون المستحقة على الدولة لفائدة المقاولات برسم دين الضريبة على القيمة المضافة، والديون المترتبة عن فائض الأداءات برسم الضريبة على الشركات، وكذا تلك المتعلقة بالخدمات ذات الطبيعة التجارية والتي لم يتسن للدولة القيام بسدادها".
وأفاد جطو ، في العرض ذاته، بأن المجلس ومن خلال المعطيات المتوفرة لدى الإدارة العامة للضرائب، يتبين له أن إجمالي الديون المستحقة لفائدة المؤسسات والمقاولات العمومية وصل في نهاية سنة 2016 إلى 5,24 مليار درهم ( 524 مليون دولار ) برسم الضريبة على القيمة المضافة، و7 مليار درهم( 700 مليون دولار) في شكل متأخرات للأداء.
وزاد موضحا أنه على الرغم من مجهود الإدارة العامة للضرائب لتصفية جزء من هذه المتأخرات يقدر ب 9,4 مليار درهم ( 940 مليون دولار) عن سنتي 2015 و2016، فإن الحجم الإجمالي لهذه الديون لايزال مرتفعا، مما يزيد من التحملات المالية للمؤسسات والمقاولات العمومية المعنية ويضع المقاولات المتعاملة معها في وضعية صعبة.
تعبئة شاملة
وقال إن دستور المملكة كرس مبادئ وقيم الحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة، باعتبارها قيما سامية تهدف خدمة المصلحة العامة وحماية المال العام.
وأضاف أن المبادئ التي جاء بها دستور 2011 تعتبر "النهج الأمثل لتعميق مسار التجربة الدمقراطية ببلادنا، وتحصين جبهتها الداخلية"، مشددا على ضرورة التعبئة الشاملة لتنزيل هذه المبادئ على كافة المستويات.
وقال "إننا مدعوون إلى تعبئة شاملة من أجل التنزيل الإيجابي والفاعل لهذه المبادئ على كافة المستويات، وبالخصوص على مستوى أجهزة الدولة ومصالحها العمومية، حتى نتمكن من الاستجابة لانتظارات المواطنين".