عبد الله الساكني والحسن الإدريسي من الرباط: بعد إصدار العاهل المغربي الملك محمد السادس تعليماته الصارمة بالتحقيق في مزاعم تعرض عدد من المعتقلين على خلفية "حراك الريف" للتعذيب على أيدي رجال الأمن، جرت مياه كثيرة تحت جسر هذا الملف ودخلت عدة مؤسسات على الخط للتحقيق في صحة تلك الادعاءات ومدى صحتها، كان أبرزها المجلس الوطني لحقوق الإنسان (غير حكومي) الذي أعد تقريرا مفصلا في الموضوع ينتظر أن يكشف عن نتائجه في مؤتمر صحافي يعقد مساء غد الأربعاء.
وأفادت وزارة العدل، في بيان لها اليوم الثلاثاء، أنها أحالت تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن الخبرات الطبية المنجزة حول بعض المعتقلين على خلفية أحداث الحسيمة، فور توصلها به على الوكيل العام للملك (النائب العام) لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة.
وأكدت الوزارة أنه "في إطار سياستها التواصلية مع الرأي العام بخصوص أحداث الحسيمة، وعلاقة بما تم تداوله من قبل وسائل الاعلام بخصوص تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن الخبرات الطبية المنجزة حول بعض المعتقلين على ذمة القضية، المحال على الوزارة، فإن وزير العدل وفور توصله بهذا التقرير أحاله على الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء والوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالحسيمة، لضم هذه الخبرات لملفات القضايا المعروضة بعضها على قاضي التحقيق والبعض الأخر على المحكمة لاتخاذ المتعين قانونا".
وجددت وزارة العدل، حسب ذات المصدر، التذكير بأنه تنفيذا للسياسة الجنائية المتبعة في كل حالات الادعاء بالتعذيب، فقد "سبق للنيابة العامة أن التمست من قاضيي التحقيق إجراء خبرة على كل من ادعى التعذيب، حيث تم إجراء الخبرات الطبية القضائية المنصوص عليها قانونا".
وكانت بعض المنابر الإعلامية نشرت أنباء بناء على تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أكدت فيها على أن "مزاعم تعرض معتقلي الحسيمة للتعذيب ذات مصداقية، ومدعومة بدلائل مادية ونفسية"، وأضافت بأن المجلس "أوصى بضرورة إجراء بحث معمق مع المتهمين بممارسة التعذيب وضمان نيلهم العقاب".
غير أن هذه التسريبات، يبدو أنها لم تنل إعجاب المديرية العامة للأمن الوطني التي خرجت في بيان مساء الثلاثاء، أعربت فيه عن "رفضها القاطع للاتهامات والمزاعم الخطيرة الموجهة لمصالحها وموظفيها، والتي أوردها البعض بصيغة الجزم والتأكيد، استنادا إلى وثيقة جزئية منسوبة للمجلس الوطني لحقوق الانسان، تم تسريبها خارج الإطار الرسمي بكيفية مشوبة بالتجاوز".
وأكد المصدر ذاته، على حرص المديرية العامة للأمن الوطني على "صون حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها وطنيا ودوليا، واحترام ضمانات الحرية الفردية والجماعية خلال ممارسة الوظيفة الشرطية، وكذا ترتيب المسؤوليات القانونية على ضوء الإجراءات والمساطر القضائية"، وشددت على رفضها ل"توجيه التهم ونشر الادعاءات على ضوء وثيقة جزئية وغير رسمية، لم تعرض على مصالح الأمن الوطني، بالقنوات الرسمية، ليتسنى الرد على ما جاء فيها"، وذلك في انتقاد واضح من المديرية لتسريب معطيات التقرير للصحافة قبل إعلان نتائجه بشكل رسمي.
وتعهدت المديرية، حسب ذات البيان، بالإجابة على "جميع الادعاءات التي وردت في تلك الوثيقة، حال توصله بها رسميا من الجهة التي أعدتها أو صدرت عنها، من منطلق احترامه التام للقانون، وتفاعله الإيجابي مع خلاصات وتوصيات المؤسسات الدستورية المعنية، وأيضا من منظور أن تلك الادعاءات غير الرسمية أسست استنتاجاتها "الطبية وغير الطبية" على إفادات وشهادات لأطراف محددة دون استقراء وجهة نظر باقي المتدخلين المؤسساتيين والرسميين".
وعبرت المديرية عن "أسفها البالغ" إزاء ما سمته "التوظيف المتسرع" و"الاستغلال غير القانوني" لهذه الوثيقة المسربة، والذي تطبع في كثير من الحالات بالطابع السياسي خصوصا من بعض الجهات الأجنبية، كما اعتبرت أن ذلك "يسيء إلى جهود المملكة المغربية ومكتسباتها في مجال تدعيم منظومة حقوق الإنسان".
وأعلنت المديرية، حسب المصدر ذاته، "التزامها وتقيدها الصريح بالنتائج والخلاصات الرسمية، وحدها دون غيرها من التسريبات، التي تقتضي ممن يفترض فيه إعدادها إجراء بحث دقيق لتحديد ظروف وملابسات نشرها دون استيفاءها للمساطر والشكليات المقررة قانونا"، كما أقرت المديرية العامة للأمن الوطني بأن القول بثبوت التعذيب، باعتباره فعلا مجرما يقع تحت طائلة القانون، يندرج ضمن "ولاية السلطات القضائية المختصة، بما توفر لها من قناعات وجدانية ومن خبرات طبية وإفادات وشهادات ومعاينات ومشاهدات موثقة، وهي مسألة لم تتوفر في هذه الوثيقة المسربة التي تعوزها الصفة أيضا"، وذلك في أشبه ما يكون بضرب واضح من المديرية في مصداقية نتائج تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وأعرب المجلس، ردا على الاخبار التي تداولتها وسائل الإعلام عن استغرابه لعملية التسريب الجزئي التي تمت لوثيقة "حرص المجلس أن توجه حصريا إلى الجهة المعنية".ورفعا لكل لبس بخصوص هذا الأمر، قال بيان صادر عن المجلس، ان هذا الأخير يؤكد أن الاستغلال الاحادي لبعض الشذرات من وثيقة داخلية قد أدى إلى استنتاجات لم يخلص إليها العمل المنجز من قبل الخبيرين المكلفين من قبل المجلس بشأن الثبوت القطعي لتعرض كل المعتقلين الذين تم فحصهم والاستماع إليهم للتعذيب.
وسجل البيان ذاته أن العمل الذي أنجز من قبل الطبيبين الخبيرين يندرج ضمن وسائل العمل التي يتبعها المجلس، ضمن وسائل أخرى لإنجاز تقاريره حول مثل هذه الأحداث، مبرزا من هذا المنطلق أنها ليست تقارير نهائية تمثل موقف المجلس، وما تحصل لديه من قناعات على التحريات والأبحاث والمقابلات والمعاينات التي تنجزها فرق عمله ميدانيا.كما أكد المجلس أن ما أنجز من عمل من قبل الخبيرين قد تم وضعه رهن إشارة الجهة المختصة لتتخذ بشأنه ما تراه ملائما من تدابير قانونية على اعتبار أن المجلس لا يمكنه، اخلاقيا وقانونيا، التطاول على اختصاص السلطة القضائية، وهذا ما أوصى به الخبيران.
وتعود تفاصيل حكاية مزاعم تعرض بعض المعتقلين على خلفية "حراك الريف" للتعذيب، بعد لقائهم بمحامي هيئة الدفاع عنهم، الذين صرحوا مباشرة بعد لقاءاتهم بموكليهم بأنهم تعرضوا "للتعذيب والضرب والمعاملة السيئة على يد رجال الأمن"، من ضمنهم زعيم الحراك، ناصر الزفزافي، الذي قال محامون إن آثار الضرب كانت بادية على "وجهه ورأسه".