إيلاف من باريس: بعد تصويت البريطانيين لصالح الخروج من الإتحاد الأوروبي في يونيو الماضي، أتى فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الإنتخابات الرئاسية الأميركية ليبعث الآمال في حزب الجبهة الوطنية، اليمين المتطرف ممثلاً برئيسته والمرشحة للإنتخابات الرئاسية الفرنسية رئيسة الجبهة الوطنية، مارين لو بين، بإمكانية الوصول إلى سدة الرئاسة في انتخابات مايو 2017.
أدوارد سيران، النائب الفرنسي في البرلمان الأوروبي، ورئيس كتلة حزب الجبهة الوطنية في البرلمان الأوروبي، رحب بإنتخاب دونالد ترامب رئيسًا جديدًا للولايات المتحدة، ويقول لـ «إيلاف»: « نحن نرحب بإنتخاب دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة لأنه يمثل انتصار الشعب على النخب السياسية، وبعد البريكسيت حين قال البريطانيون لا للإتحاد الأوروبي وقبل الدورة الثانية للإنتخابات الرئاسية في النمسا، يُظهر فوز ترامب بالرئاسة أن الشعب يريد استعادة سيادته، وهذا ما عبّر عنه الأميركيون، فالرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب قال في برنامجه الإنتخابي إنه يريد فتح حوار مع روسيا ونادى بخروج الولايات المتحدة من حلف شمالي الأطلسي، وهذا ما نريده أيضًا في فرنسا، ووعد بوقف الهجرة غير الشرعية وهنا في فرنسا نعيش في إطار قانون شينغين الذي يلغي الحدود بين الدول الأوروبية الموقعة على هذه الإتفاقية وهذا ما أدى إلى تصاعد العمليات الإرهابية في أوروبا وغرق دول الإتحاد الأوروبي في أزمة غير مسبوقة ونادى بوقف اتفاقيات التبادل الحر ونحن نأمل أن يطبق ترامب كل ما وعد به، وستكون لذلك تداعيات مهمة على فرنسا والإتحاد الأوروبي».
استطلاعات الرأي تُخطىء
ويضيف سيران: «أظهر فوزُ دونالد ترامب في إنتخابات الرئاسة الأميركية أن استطلاعات الرأي تُخطىء، فغالبيتها أجمعت على فوز هيلاري كلينتون بالإنتخابات الرئاسية، وأنا أرى أنه يمكن أن يحدث في فرنسا سيناريو مشابه، وكانت مارين لو بين السباقة في تهنئة دونالد ترامب، وما يظهر جليًا اليوم أن البرنامج السياسي لدونالد ترامب هو قريب جدًا مما يسعى اليه حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، وهو برنامج يسعى أن يعيد للأميركيين الفخر بإنتمائهم، وأن يكونوا فخورين بهويتهم، وهنالك عدة نقاط التقاء بين سياسة ترامب ولو بين في التصدي للتطرف الإسلامي».
وتعول مارين لو بين على التغييرات التي طرأت في دول غربية لتجعل من إمكانية وصولها إلى سدة الرئاسة واقعًا ممكنًا مع أن غالبية إستطلاعات الرأي تجمع على فوزها في الدورة الأولى وإقصائها في الدورة الثانية في سيناريو مشابه لما حدث في 21 مايو 2002 حين وصل والدها، زعيم الجبهة الوطنية جان ماري لو بين إلى الدورة الثانية بعد إقصائه مرشح اليسار آنذاك، رئيس الوزراء الأسبق ليونيل جوسبان، ما أمن فوزًا كبيرًا لمرشح اليمين التقليدي جاك شيراك في الدورة الثانية.
الشعب يختار الرئيس
تكمن اوجه التشابه بين الولايات المتحدة وفرنسا في أن دونالد ترامب الرئيس الأميركي الجديد خاطب في حملته الإنتخابية الشريحة التي تمثل الأميركيين البيض كالفلاحين وسكان القرى، الذين اضرتهم العولمة، وشن حملة ضد مؤسسة الرئاسة الأميركية ووسائل الإعلام التي قادت حملة إعلامية ضده، واستخدم الخطاب العنصري ضد المسلمين في حملته الإنتخابية، وقال ترامب إنه يريد منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، ذاهبًا حتى إلى المجاهرة بنيته بناء جدار لوقف الهجرة غير الشرعية الوافدة من المكسيك والأهم من كل ذلك أن جميع استطلاعات الرأي بإستثناء واحد منها توقعت خسارة المرشح الجمهوري وفوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بنسبة 90 بالمئة، وهو حال رئيسة الجبهة الوطينة في فرنسا.
وعن هجمات باريس، يقول إدوار سيران: «للأسف تعرضت باريس لهجمات وبالتالي من الطبيعي أن تسعى لو بين الى العمل على إعادة دولة القانون كما يفعل ترامب وهذا يقوم على إعادة الحدود داخل الإتحاد الأوروبي والرقابة عند الحدود وزيادة عدد قوات ورجال الأمن والتصدي للتطرف الإسلامي، ومن هنا نحن نقاسم دونالد ترامب برنامجه الإنتخابي، ونحن نود ان يكون السياح بأمان عندما يأتون الى فرنسا، ومارين لو بين تجعل من إعادة سيادة الدولة والقانون محوراً اساسياً في حملتها الإنتخابية، ولقد تعرضت فرنسا لهجمات إرهابية وهو ما لم يحدث في الولايات المتحدة، وترامب يسعى لإعادة الكلمة للأميركيين بإقرار مصيرهم بعيدًا عن مافيا المال والأعمال، وأن تكون الولايات المتحدة للأميركيين في الدرجة الأولى، وإن الولايات المتحدة لطالما كانت خليطًا إجتماعيًا ويوّد دونالد ترامب ان يكون هناك احترام لكل فئة داخل المجتمع الأميركي، وهو برنامج لو بين، ترامب يريد محاربة التطرف الإسلامي ونحن ايضا في فرنسا».
بين أميركا وفرنسا
في فرنسا، تخاطب لو بين الشريحة التي تعبرها نواة المجتمع الفرنسي، وهم الفرنسيون البيض، الفلاحون والمزارعون، وأعطت حملتها شعار “بإسم الشعب”، و قدمت نفسها على انها أمرأة حرة بعيدة كل البعد عن القيود السياسية والإقتصادية منها سطوة رجال الأعمال والنافذين الكبار في الدولة الفرنسية، وهي تبقى قبل كل ذلك من دعاة التقارب مع روسيا والخروج من الإتحاد الأوروبي لكن ذلك لا يعني غياب التباين بين الشخصيتين، دونالد ترامب ومارين لو بين.
وطرحت لو بين نفسها مدافعة عن الفرنسيين مهما كانت انتماءاتهم الطائفية، واعتبرت ان الإسلام يتماشى مع الجمهورية في خطاب تسعى من خلاله لإستمالة ناخبين جدد، بينهم المسلمون الذين يشكلون الديانة الثانية في فرنسا، الدولة التي تقيم على أراضيها أكبر جالية مسلمة في القارة الأوروبية.
ويؤكد سيران: «إن ما حدث في الولايات المتحدة يمكن أن يحدث في فرنسا، وانا أعتقد اليوم أن لو بين تجمع بين اليسار واليمين وكافة الأحزاب، الذين يودون ان تكون للشعب الكلمة الفصل، انتخب الأميركيون البيض وسكان الأرياف والقرى دونالد ترامب، وفي فرنسا يدعم المزارعون والطبقة الشعبية لو بين للوصول إلى سدة الرئاسة».
انتخابات تمهيدية
وتابع: «أعتقد ان أفضل سيناريو يمكن أن يحدث في فرنسا أن تفوز لو بين في انتخابات الرئاسة الفرنسية لأنها ستدعم الفئات الشعبية وستجمعهم كما فعل دونالد ترامب، لأن الان وجوبيه وفرانسوا هولاند يمثلون فئة من التكنوقراط والليبراليين» .
أتي فوز ترامب في وقت يتهيّأ فيه حزب الجمهوريين، اليمين التقليدي، والحزب الإشتراكي لإجراء انتخابات تمهيدية ستختار مرشحي الحزبين للرئاسيات في مايو القادم، وتجمع استطلاعات الرأي على فوز رئيس الوزراء الأسبق الان جوبيه في الإنتخابات التمهيدية لليمين، الذي يقدمه معارضوه على انه مرشح النظام، فيما عمد الرئيس الفرنسي السابق والمرشح للإنتخابات التمهيدية نيكولا ساركوزي إلى مقارنة نفسه بدونالد ترامب الذي توقعت استطلاعات الرأي خسارته وانتقدته غالبية كوادر حزبه وفاز في النهاية.
وتتهيّأ عدة دول أوروبية لإجراء انتخابات في الأشهر القادمة، منها النمسا وإيطاليا وهولندا وألمانيا وفرنسا، حيث قال رئيس وزرائها الأسبق دومينيك دو فيلبان: «ما هو ممكن في الولايات المتحدة هو ممكنٌ في فرنسا».