: آخر تحديث

السعودية ومصر ركيزة الاستقرار العربي

3
3
3

أجرى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في عام 2022 زيارة تسبق زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى السعودية، بعدما فشلت محاولات بايدن الرامية إلى عزل المملكة. كما أجرى زيارة إلى مصر والأردن وتركيا، بعد إجراء مصالحة مع تركيا، وذلك بعد تسع سنوات من الخلافات. كان هدف تركيا حينها الحصول على نصيبها من المنطقة العربية حتى لا تستأثر بها إيران بمفردها. لكن حسابات تركيا الاستراتيجية كانت خاطئة، واكتشفت ذلك عندما انهار اقتصادها الذي يعتمد كثيراً على العلاقات مع الدول العربية، وخاصة مع دول الخليج، وعلى رأسها السعودية. شملت الزيارة توقيع اتفاقيات اقتصادية وتفاهمات سياسية لرسم خارطة تحالفات في المنطقة، مع تعزيز التعاون الاقتصادي من جهة، ومواجهة التهديدات الإيرانية من جهة أخرى، في ظل تنامي انتشار مخاطر الميليشيات المسلحة التي تمولها إيران، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق أو اليمن، رغم أن الشرق الأوسط تأثر بشكل كبير بتداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية التي بدأت في 24 شباط (فبراير) 2022.

زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الثامنة إلى القاهرة في 15 تشرين الأول (أكتوبر) 2024، منذ الزيارة الأولى في نيسان (أبريل) 2015، تأتي في إطار حضوره القمة الخليجية الأوروبية في بروكسل. العلاقة بين السعودية ومصر تتسم بالعمق التاريخي والتعاون الاستراتيجي، والتنسيق المستمر تجاه القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك على الساحتين الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والتطورات في لبنان والمنطقة. يسعى البلدان إلى دعم وتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، بالإضافة إلى التركيز على ملفي البحر الأحمر والسودان.

من جهة أخرى، كان التمثيل السعودي منخفضاً في قمة البريكس، حيث حضر نائب وزير الخارجية السعودي. يعتبر ذلك انعكاساً لأولويات السعودية التي تركز على القضايا الساخنة في المنطقة، وتأثير أوروبا وأميركا الأكثر وضوحاً مقارنة بتأثير دول البريكس. ومن أجل عدم إثارة الولايات المتحدة، التي لها تأثير مباشر في حل تلك القضايا، اختارت السعودية أن تكون بصفة مراقب في مجموعة البريكس. تأتي هذه المواقف في وقت تراهن فيه روسيا على توسع كبير لتجمع البريكس في مواجهة الأحادية القطبية. ورغم ذلك، فإن دولاً مثل الهند لا تواجه مشكلات سياسية أو اقتصادية مع أميركا، والبرازيل أيضاً، حيث لوحظ من تصريحات الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا خلال قمة بريكس 2023 في جنوب أفريقيا، أنه يحاول تخفيف حدة اللهجة التي تنتهجها روسيا. أكد دا سيلفيا أن هدف بريكس ليس تحدي التحالفات الدولية الأخرى مثل مجموعة السبع أو مجموعة العشرين، ولا تحدي الولايات المتحدة، بل يسعى فقط إلى تنظيم ما يسمى بالجنوب العالمي. كما تبنى دعوات لإيجاد عملة موحدة للبريكس، وأوضاع اقتصادية عالمية أكثر إنصافاً للدول الصاعدة والنامية.

إقرأ أيضاً: هل ينجح حزب الله في التمسك بالإسناد وربط الساحات؟

حضور ولي العهد السعودي في قمة بروكسل يأتي في سياق تطوير الشراكات الاستراتيجية الدولية للسعودية، في ظل ما حققته رؤية السعودية لتعزيز العمل الخليجي المشترك. حققت هذه الرؤية نجاحاً كبيراً في تفعيل الشراكات الدولية الاستراتيجية لمجلس التعاون الخليجي إقليمياً وعالمياً. كما أكدت السعودية موقفها الثابت في مناصرة القضية الفلسطينية، ودعم الجهود الرامية لتحقيق السلام الشامل والعادل الذي يكفل للشعب الفلسطيني حقوقه المشروعة. وقد سبق أن أعلن وزير خارجية السعودية من نيويورك عن التحالف الدولي لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، مؤكداً أن هذا التحالف هو تعاون عربي أوروبي.

فيما يتعلق بمجموعة البريكس، اكتفت السعودية بصفة مراقب، خصوصاً أنها لا ترغب في هذه الظروف الساخنة المشاركة في توقيع اتفاقية التعامل بالعملات الوطنية بديلاً عن الدولار. هذا لا يعني تقليل الشراكات الاستراتيجية مع دول البريكس، بل العكس، إذ أن العلاقات مع الصين، أكبر مشترٍ للنفط السعودي، وروسيا، التي لها علاقة وثيقة مع السعودية في إدارة ملف النفط العالمي، تبقى قوية. هذه العلاقات تهدف إلى الحفاظ على استقرار أسواق النفط، وفي ملفات أمنية إقليمية أخرى.

إقرأ أيضاً: مستقبل مشروع إيران بعد نكسة اغتيال زعيم حزب الله

 زيارة ولي العهد لمصر تأتي لتعزيز آفاق التعاون الاستراتيجي والاقتصادي بما يحقق مصالح البلدين والمنطقة العربية. كان للبلدين دور كبير في دعم الشعب الفلسطيني وجهوده لنيل حقوقه المشروعة. ما زالت الجهود متواصلة لوقف الحرب الإسرائيلية على فلسطين، وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية للشعب الفلسطيني. القضية الفلسطينية تعد بنداً أساسياً ومصيرياً في جميع الجهود الدبلوماسية السعودية، التي تهدف إلى الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية المستقلة بحدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

منذ تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي السلطة، قدمت دول الخليج، وخاصة السعودية، دعماً مالياً كبيراً لمصر. ومع استقرار مصر، انتقل الدعم إلى تعزيز الاستثمارات. وتركز السعودية على تطوير السياحة في جنوب شبه جزيرة سيناء وعلى البحر الأحمر، وهما منطقتان ذات أهمية خاصة، نظراً لموقعهما المتميز قبالة السعودية. هناك أيضاً شراكات اقتصادية واسعة، حيث يوجد أكثر من 70 اتفاقية موقعة بين البلدين، وارتفع التبادل التجاري بنسبة 41 بالمئة في النصف الأول من 2024.

إقرأ أيضاً: طموحات إيران وملامح الشرق الأوسط الجديد

تكمن أهمية هذه الزيارة في تزامنها مع تصاعد العمليات العسكرية بين إسرائيل وإيران. تنسق السعودية ومصر بفاعلية ضمن اللجنة الوزارية المكلفة من القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية للتحرك دولياً لوقف الحرب على غزة، والضغط من أجل إطلاق عملية سياسية جادة لتحقيق السلام الدائم. أثمرت جهود اللجنة، بقيادة السعودية، عن اعتراف 147 دولة بالدولة الفلسطينية. كما أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، من نيويورك، على هامش قمة المستقبل التي استضافتها الأمم المتحدة في 22 أيلول (سبتمبر) 2024، عن إطلاق التحالف الدولي لحل الدولتين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف