مر عام على اندلاع الحرب في غزة، وامتد تأثيرها عبر المنطقة، وصولًا إلى لبنان واليمن وسوريا. لعب النظام الإيراني دورًا حاسمًا في هذا الصراع، حيث اعترف العديد من المسؤولين ووسائل الإعلام التابعة للدولة علنًا بتورطهم في إعداد الأرض وبدء الحرب وتقديم الدعم اللوجستي، بدءًا من تسليم المعدات العسكرية والصواريخ إلى حفر الأنفاق وتدريب المسلحين.
جاء أحد الأمثلة الصارخة على هذا التورط من عزت الله ضرغامي، وهو مسؤول رفيع المستوى سابقًا، والذي اعترف قائلاً: "لقد أمضيت وقتًا في الأنفاق تحت الأرض في فلسطين، حيث كنت أقوم بتدريب قوات المقاومة على إطلاق الصواريخ".
في حين تكافح المنطقة مع العواقب الدموية لهذا الصراع، من الجدير تقييم العواقب الأوسع نطاقًا، خاصة في ظل التورط الإيراني العميق والآثار التي خلفتها هذه الحرب على الشعب الإيراني.
دوافع إيران والتكاليف الإقليمية
كان الهدف الأساسي للمرشد الأعلى آية الله خامنئي في التحريض على الصراع في غزة هو صرف الانتباه عن الاضطرابات الداخلية في إيران. إلا أن تكاليف هذه الحرب المدمرة كانت محسوسة في المقام الأول من قبل إسرائيل وغزة، ثم لبنان، وفي نهاية المطاف إيران نفسها. يواجه الإيرانيون الآن المزيد من القمع والتضخم والضغوط الاقتصادية الشديدة، بينما تستمر بلدان أخرى في المنطقة في تحمل صدمات الحرب.
إحصائيات الدمار والمعاناة الإنسانية مذهلة. فبحسب مصادر إسرائيلية، كان الهجوم الذي وقع في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل، حيث قتل فيه أكثر من 1200 شخص، واحتجزت حماس والجماعات التابعة لها 251 شخصًا كرهائن. على الجانب الفلسطيني، قدرت الأمم المتحدة أنه بحلول أيلول (سبتمبر) 2024، هُجِّر 90 بالمئة من سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة، وقتل أو أصيب حوالى اثنين بالمئة من السكان. قتل 41467 شخصًا، وأصيب أكثر من 95 ألفاً. كما دُمرت البنية التحتية في غزة، حيث تم هدم 58.7 بالمئة من المباني منذ بداية الحرب. وتراكم أكثر من 40 مليون طن من الحطام بحلول منتصف 2024، ومن المتوقع أن تستغرق إزالة الأنقاض 15 عامًا وتكلف أكثر من 500 مليون دولار.
في لبنان، كان تأثير الحرب كارثيًا على نحو مماثل. نزح حوالى مليون شخص، وقتل أكثر من 2000 شخص. وأصبح الوضع بالنسبة للاجئين السوريين في لبنان أكثر خطورة، حيث أصبحوا محاصرين بين لبنان الممزق بالحرب والنظام السوري بقيادة بشار الأسد.
الفشل الداخلي للنظام الإيراني
نجح خامنئي في تحويل الانتباه عن الانتفاضات المحتملة داخل إيران عبر الصراع، لكن نظامه واجه انتكاسات كبيرة. لم يتمكن خامنئي من تعزيز السلطة داخل النظام بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي، تاركًا فراغًا سياسيًا. على الرغم من المقاطعات الواسعة، تولى مسعود بزشكيان الرئاسة، واعترفت صحيفة "اعتماد" الموالية للدولة بزيادة المعارضة الداخلية.
استمرت الاضطرابات الاجتماعية في إيران، مع استمرار الاحتجاجات والإضرابات - خصوصًا من قبل الممرضات والعمال والمتقاعدين والطلاب. أصبحت الاضطرابات الاقتصادية والقمع الحكومي حدثًا شبه يومي.
نفوذ متضائل في الخارج
كانت النكسة الأهم لخامنئي على الساحة الدولية. فقد عمل لعقود على تنمية قوات بالوكالة لتعزيز نفوذ النظام في الشرق الأوسط. إلا أن العام الماضي كشف حدود هذا النفوذ، حيث يجري تفكيك الشبكات الإرهابية الخارجية للنظام، وتضاءلت قدرته على ممارسة القوة الإقليمية.
في الختام، ورغم أن النظام الإيراني ربما حقق مكاسب تكتيكية قصيرة الأجل، فإن العواقب الطويلة الأجل لمغامرات خامنئي في غزة كانت كارثية. لقد ألحقت الحرب معاناة هائلة بشعوب المنطقة، وكشفت عن نقاط ضعف النظام في الداخل والخارج.