إيلاف من جدة: في قلب المملكة العربية السعودية، وفي مزيج فريد من المهارة الهندسية والإبداع الفني، يقف الفنان السعودي أصيل المغلوث كمبدع يعيد تعريف الفنون البصرية، مستخدمًا الزجاج المكسور كوسيلة لرسم لوحات تحمل معانٍ عميقة ورسائل إنسانية. من خلال عمله، يبرز المغلوث الجمال الكامن في الهشاشة، ويثبت أن الحطام يمكن أن يكون أساسًا لفن نابض بالحياة والإبداع.
لوحة زجاجية للملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود
البدايات: من الهندسة إلى الفن
بدأت رحلة المغلوث الفريدة عندما كان يعمل على مشروع تخرجه في مجال الهندسة الميكانيكية. هناك، وبين أدواته ومواده الهندسية، اكتشف إمكانية تحويل الزجاج المكسور إلى لوحات فنية استثنائية. يقول المغلوث: "أثناء العمل على مشروع التخرج، أدركت إمكانيات استخدام الزجاج المكسور لتصميم أشكال فنية مميزة. كانت التشققات التي تظهر على الزجاج بمثابة مصدر إلهام لي لتطوير تقنية تعكس رؤيتي الفنية".
رغم أن الرسم كان شغفًا يلازمه منذ الطفولة، إلا أن هذا الاكتشاف شكّل نقطة تحول في مسيرته الفنية. فقد وجد في الزجاج وسيلة غير تقليدية للتعبير عن أفكاره ومشاعره، وبدأ في تطوير أسلوب خاص به يمزج بين الدقة الهندسية والجمال البصري.
حكايات من الزجاج
يعتمد أسلوب المغلوث على تقنية دقيقة تتطلب تحكمًا كبيرًا في قوة واتجاه ضربات المطرقة على الزجاج. كل ضربة تحمل نية واضحة، والهدف ليس مجرد كسر عشوائي، بل خلق تشققات تحمل معاني عميقة وتُظهر تصاميم متناغمة. يقول المغلوث: "كل ضربة مطرقة تُحدد صورة العمل النهائي. الجمال ينبع من الحطام والفوضى".
لتطوير هذا الأسلوب، قضى المغلوث سنوات في التجربة والبحث، مستخدمًا أنواعًا مختلفة من الزجاج لتحديد التأثيرات المختلفة التي يمكن أن تخلقها التشققات. كما استلهم أعماله من الطبيعة والتفاصيل الدقيقة للحياة اليومية، محاولًا ترجمة مشاعره وقصصه إلى أعمال زجاجية تنبض بالحياة.
ويضيف: "أجد الجمال في الأشياء التي قد تبدو للوهلة الأولى عادية أو حتى غير مثيرة للاهتمام. بالنسبة لي، الزجاج المكسور ليس مجرد مادة هشّة، بل أداة لنقل مشاعر وقصص قد تلامس قلوب الآخرين".
جمال في الفوضى
من خلال تقنيته المبتكرة، يعيد المغلوث تعريف الفن، مستعرضًا كيف يمكن للهشاشة أن تكون مصدر قوة وجمال. يعمل على تحويل الزجاج المكسور من مادة تبدو فوضوية إلى لوحات تحمل معاني إنسانية عميقة ورسائل مستوحاة من ثقافة السعودية وهويتها. يقول: "أسعى إلى أن أُظهر جمال الفنون في ثقافتنا السعودية، وربطها برؤية السعودية 2030".
حكايات تلامس القلوب
رغم النجاح الذي حققه، لم تكن رحلة المغلوث خالية من التحديات. يقول: "أكبر تحدٍ واجهته كان ضمان أن تنقل أعمالي رسالة واضحة للجمهور. كل قطعة من الزجاج تحمل حكاية، وكان من الضروري أن تصل هذه الحكايات بشكل يلامس القلوب".
من خلال التجربة والخطأ، طور المغلوث مهارته في التحكم بالتشققات، ليخلق تصاميم دقيقة تحمل قصصًا مميزة. ومع ذلك، يرفض المغلوث قياس قيمة أعماله بالأرقام. يقول: "كل لوحة لها مكانتها وقصتها الخاصة التي تميزها. بالنسبة لي، قيمة الفن لا تُقاس بالمال."
ويشير المغلوث بفخر إلى إحدى أبرز أعماله، وهي لوحة للأمير محمد بن سلمان، قائلاً: "تُعد هذه اللوحة أغلى أعمالي، وقد أهديتها لولي العهد كهدية شخصية. تلقيت عروضًا عديدة لشرائها، لكنني أرفض بيعها لأنها تحمل قيمة معنوية خاصة".
لوحة زجاجية لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان
الانتشار والاعتراف
حصل المغلوث على شهرة واسعة بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، حيث لاقت أعماله إعجابًا كبيرًا وأتاحت له فرصة عرض أعماله وبيعها، بما في ذلك قطع مخصصة لفنانين ومشاهير. "إن العمل لفنانين وشخصيات مشهورة هو شرف كبير بالنسبة لي، وهو دافع يدفعني لدفع حدود إبداعي إلى الأمام"، يقول المغلوث.
الطموحات والرؤية المستقبلية
يتطلع المغلوث إلى تمثيل السعودية على المستوى العالمي، من خلال المشاركة في معارض دولية وتنظيم معرض شخصي في الرياض. يقول: "أحلم بإقامة معرض يتيح لي فرصة تبادل الإلهام مع فنانين آخرين وعرض جمال الفنون السعودية على مستوى عالمي".
ويقدّم نصيحة للفنانين الناشئين قائلاً: "لا تخشوا الفشل. التجربة والخطأ جزء أساسي من العملية الإبداعية. كل عمل فني يعكس جزءًا من شخصيتكم، ويجب أن يكون لديكم الصبر والإصرار لتطوير أسلوبكم الخاص".
في ختام حديثه، يؤكد المغلوث أن الفن يمكن أن ينبثق من أي شيء، حتى من أكثر المواد هشاشة. من خلال عمله، يرسل رسالة ملهمة بأن حتى الحطام يمكن أن يحمل في طياته جمالًا يستحق الاكتشاف.
يقول المغلوث: "أريد أن أثبت أن الفن لا يعرف الحدود، وأن الإبداع يمكن أن ينبع من أكثر الأشياء غير المتوقعة. الزجاج المكسور هو انعكاس لحياتنا: حتى الأجزاء المكسورة يمكنها أن تُصنع شيئًا استثنائيًا".