التأمل في الشأن الكويتي الراهن قوة ذهنية قد يكون صعب تحملها وغرسها وتبنيها وصعب فرضها ورفضها أيضاً، فقوة التأمل تحتمل الإيجابية العادلة والحكيمة والسلبية المتهورة والمنحازة والمتمردة ولعل المناقشة الموضوعية والمراجعة الرصينة لا تقيد التأملات المشروعة والمراجعات البناءة.
الكويت مليئة بالصراعات السياسية والفكرية المشروعة وغير المشروعة والصراعات التقليدية ولا يجوز قراءة المشهد السياسي الحالي كرمز للفوضى والمعارضة ضد النظام السياسي وأركان دولة دستورية قامت على مبايعة اجتماعية وسياسية ليست موطن خلاف ولا مراجعة.
تظل رمزية الكويت في عمق تاريخها الثقافي وتعدديتها الفكرية المبكرة التي برزت وشقت الطريق في مجلس الشورى في العام 1921 والعهد الدستوري في العام 1962 وحكومات ومجالس أمة لاحقة تلاقت عند مفاهيم وعوامل واختلفت عند اهداف وأدوات ومتغيرات.
تعقدت وتورمت الظروف السياسية في السنوات الأخيرة وكانت حكومات ومجالس أمة متعاقبة مصدر التعقيد والتورم والاحتقان لكن الحكومة تتحمل المسؤولية السياسية الأكبر والجزء الأعظم من الوزر الثقافي والاجتماعي والسياسي فهي الطرف التنفيذي المهيمن على القرارات والسياسات والطرف المتنازل عن دوره.
نحن بحاجة إلى عملية علنية وصريحة ومباشرة ومشاركة واسعة في تشخيص التحديات والتهديدات وتحليلها دون تهويل ومبالغة وعويل وانتحاب ولا تردد وتأجيل ولا غموض وارتباك وانفعال.
في التأملات والمراجعات لا ينبغي الالتفات عن مصدر المشكلات ولا ينبغي تجاوز التكهنات والتساؤلات والصراعات، فالحقيقة لا تتجزأ ولا الاعتراف فيها هزيمة ولا التبرؤ منها انتصار ولا التهوين والتردد والتأجيل أفضل من التضامن والحسم والمواجهة المشتركة في صناعة القرار.
في 17 ابريل 2020، ضج الإعلام الالكتروني بالتساؤلات المشروعة عن مدى صحة خبر بشأن "اعادة النظر ببعض مواد الدستور وتعليق الحياة البرلمانية لبعض الوقت والاستعانة ورسم هذا التوجه التي تجري دراسته بهدوء وسط تكتم شديد عبر نخبة من المستشارين الجدد".
صدر في 18 ابريل 2020 رد مقتضب لرئيس "اللجنة الاستشارية الدستورية والمنسّق العام للجان" في الديوان الأميري آنذاك دون تناول دقيق لتفاصيل الخبر ومصدره، أي الصحيفة المحلية، ومراعاة لموضوع شديد الحساسية بالنسبة للشعب الكويتي وهو دستور 1962.
نقلت وكالة كونا بياناً عن الأخ د.عادل الطبطبائي رئيس اللجنة الاستشارية الدستورية والمنسّق العام للجان ظهر يوم السبت 18 ابريل 2020، ولكن البيان جاء مقتضبا من دون تناول واضح لمصدر الخبر، أي الصحيفة، وتناول عميق ومباشر لكافة النقاط المثارة في طيات الخبر، خصوصا أن الموضوع شديد الحساسية بالنسبة للكويت وشعبها، وهو دستور 1962.
دون الخوض في تفاصيل كل المواد الدستورية، فمن المهم التركيز على المادة 175 التي نصّت على "الأحكام الخاصة بالنظام الأميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها ما لم يكن خاصا بلقب الأمارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة".
تاريخ النهج الحكومي وخاصة ما يتعلق بالقوانين المتعلقة بالمرئي والمطبوعات والنشر والإلكتروني، لا يبشر أن ثمة اهتمام نحو التغيير والتطوير للأفضل، أي لمزيد من الحريات بل العكس تماما!
فقد ادت هذه الاغلال القانونية، إلى الجمود والتراجع في المجالات الإعلامية والثقافية والبحث العلمي وحرية التعبير، على عكس ما كفله الدستور في المواد رقم 35 و36 و37!
شخصيا ضد اي تنقيح دستوري في ظل عدم وجود "المزيد من ضمانات الحرية والمساواة"، لكن لابد من التحذير من بعض الجوانب المهمة للغاية التي يمكن تلخصيها في التالي:
أن أي محاولة للتنقيح قد يقود إلى الدخول بنفق مظلم وصادم، فمثلا قد تندفع بعض الأطراف نحو تعديل المادة 4 بشأن "الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح"، وخصوصا أن صراع بعض اجنحة الأسرة الحاكمة لم يعد خفياً!
أيضاً، هناك احتمال أن تتحمس تيارات دينية نحو تعديل المادة 6 بشأن "السيادة للأمة مصدر السلطات"، مقابل أن يُستبدل النص بأن تكون الشريعة الاسلامية مصدر السلطات!
هذا لا يعني أن تيارات سياسية وفكرية اخرى لن يكون لديها اجندات ومطالب خاصة فيها، وهو ما قد يعقُد الوضع السياسي ككل.
ما اخشاه أن تنفك السبحة الدستورية وتتبعثر مكوّنات روح دستور الدولة، وهو ما قد يقود إلى نتائج لا تُحمد عقباها.. لذا من الافضل ولمصلحة البلد والشعب المحافظة على دستور الدولة وإصلاح النظام الانتخابي، ففيه تكمن العلة اساساً.
ثبت عدم جدوى النظام الانتخابي الحالي، الصوت الواحد الانتخابي، ونتمنى أن تبادر الحكومة بمقارنة الوضع القائم مع الأزمنة السابقة، فالأغلبية النيابية السابقة التي هي بيد الحكومة، تمّردت على الحكومة نفسها بسبب اجندات خاصة وتواضع اللائحة الداخلية لمجلس الامة وضعف الحكومة!
التنفيس في العلن أفضل من مراجعة سرية أو خجولة واجتهادات متواضعة وانفعالية وتشنجات مدمّرة، ولعل ردود فعل البعض الكويتي عن مقتل حسن نصرالله، رأس الإرهاب الإيراني في لبنان، مؤشر على الفوضى وطائفية بغيضة لم تحسن الحكومة في تحليلها ورصدها!
في الضفة الثانية، الإخوان المسلمين في الكويت، لم يعد لهم صوتاً سياسياً علنياً بعد حل مجلس الأمة وهو أمر لا يستهان فيه، فحركة الإخوان تنظيم سياسي لضرب الدولة المدنية وتدميرها!
ثمة العديد من الدروس السياسية والأحداث الكارثية التي لم تتعلم منها حكومات، أي حكومة ممتدة، وقد وجب دراسة الأخطاء والتعلم منها دون مداراة، فالمناخ السياسي والثقافي في الكويت مختلف تماماً عن دول أخرى.
إعلامي كويتي