استطاع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تجيير حرب الإبادة في قطاع غزة وتحويل مسارها بالاندفاع نحو استثمار جبهات الحرب بوتيرة تصعيد أوسع وأعمق، في إستراتيجيته لتحقيق عنوان كبير: إنهاء التأثير والنفوذ الإيراني على الميليشيات والحركات العسكرية التي تدور في فلك نظام الملالي في منطقة الشرق الأوسط.
لم تقتصر ضربات إسرائيل على استهداف عناصر المحور الإيراني وأذرعه لضبط إيقاعها التنظيمي والعسكري وتحديد سقف قدراتها التسليحية، بل يسعى بنيامين نتنياهو أيضًا لضرب المشروع النووي الإيراني بعد أن يُنهي ما بدأه بتجريد إيران من أوراقها في المنطقة.
ما زالت الأوساط السياسية والعسكرية في طهران تعيش صدمة ما حدث مؤخرًا، بين الجرأة العسكرية الإسرائيلية المدعومة بمعلومات استخباراتية دقيقة، وبين الفجوة التكنولوجية الهائلة، ما أدى إلى الانهيار السريع لإمكانيات وتكتيكات ميليشياتها. وهذا أنتج أداءً صفريًا من محور عاجز عن امتصاص الصدمة وعكسها بضربات صاروخية نحو العمق الإسرائيلي كما كان يصرح قادته ليلاً ونهارًا.
الخوف الإيراني من الانجرار نحو حرب إقليمية شاملة لن يمنع بنيامين نتنياهو وحكومته من الاستمرار في مخططاتهم التي تتماشى مع رغبة الولايات المتحدة ودول أوروبية، حيث ترى هذه الأطراف في التصعيد العسكري الإسرائيلي فرصة مواتية لكبح جماح طهران وأذرعها، وذلك كمصلحة أساسية للحد من النفوذ الروسي والصيني المتزايد في المنطقة.
إقرأ أيضاً: إيران تضحي بأدوات محورها.. لإنقاذ نفسها
القطاعات المتحكمة بقرار طهران، المرشد والحرس الثوري، تدرك اليوم أن هامش المناورة مع الأميركيين والأوروبيين قد لا يمنحها القدرة على تحقيق أجنداتها في المنطقة. وبالتالي، سيبدأ الانسحاب التدريجي من مشهد الشرق الأوسط عبر تجميد مؤقت لأنشطة محورها، مع انحسار دورها كراعٍ لحركات وميليشيات مسلحة. الهدف هو إعادة توثيق تحالفات جديدة مع حركات إسلامية مثل الإخوان المسلمين، والدفع بها إلى المشهد السياسي لبعض الدول من خلال إثارة موجات فوضى تسمح لها بالتفاوض مع الإدارة الأميركية المقبلة.
إقرأ أيضاً: ترقية مكانة الحوثي في المحور الإيراني
تموضع إيران وانكفاؤها على نفسها يخدم استمرار نظامها القائم على ملالية الدين والسياسة، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة. تكلفة إعادة إنتاج ذات الأدوات وتسليحها ستكون عبئًا على الاقتصاد الإيراني المنهك. لذلك سيجد رجالات النظام أنفسهم أمام معضلة حقيقية تتطلب البحث عن خيارات تبدأ بالانحسار والعودة خطوات إلى الوراء. فالشعب الإيراني لن يمنحهم شرعية سياسية للدخول في مغامرات غير محسوبة النتائج أو نسج استراتيجيات مهلهلة أمام رياح الولايات المتحدة وإسرائيل القوية.