يشهد شمال العراق توغلاً واسع النطاق لآليات الجيش التركي ونشوب معارك وقصف متبادل بين هذه القوات التي جاءت بكثافة طيرانها ودباباتها ومدافعها الثقيلة، وفصائل حزب العمال الكردستاني التركي المعارض للحكومة التركية والذي يحظى بدعم سياسي ومالي ايراني - عراقي، أتاح له التموضع في جبال قنديل وما يجاورها، إضافة إلى التمركز في جبل وقضاء سنجار شمال غرب الموصل.
اذن المعركة بين جيشين تركيين داخل الأراضي العراقية، هكذا يبدو أبعاد المشهد لمن يراه من بعيد، ما يعني انتهاكاً صارخاً للسيادة العراقية وإحراجاً غير مسبوق لحكومة محمد شياع السوداني، التي لم تفعل سوى إعلان الرفض لدخول الجيش التركي بهذه الكثافة التي تعبر عن احتلال عسكري، لكنَّ المقاربة الدقيقة للموقف التركي وأهدافه من هذه العملية واسعة النطاق ترجمتها تصريحات وزير دفاع تركيا يشار غولر عندما قال: جيشنا سوف يستمر بعملياته الحربية ضد حزب العمال الكردستاني داخل العراق، وسوف يقوم الجيش بتأمين منطقة عازلة على امتداد الشريط الحدودي بين العراق وتركيا والتوغل بعمق يتراوح بين 30 إلى 40 كم داخل العراق وعلى امتداد الحدود، وكذلك فصل جبل قنديل عن سوريا، بهدف قطع التواصل بين قوات البكه كه وقوات سوريا الديمقراطية.
إنَّ طول الشريط الحدودي بين العراق وتركيا يمتد لمسافة تبلغ 367كم40xكم، أي ما يساوي 14,680كم، ما يعني أكثر من مساحة دولتي قطر والبحرين مجتمعتين سوف تشهد انتشاراً للجيش التركي وسطوته!؟
توغل الجيش التركي في العمق العراقي وإقامة قواعد ومعسكرات سوف تبتلع العديد من المدن الصغيرة والقصبات والقرى، وبمرور الوقت تعتبر ضمن الحدود التركية؛ هكذا هو المنهج التركي، بمعنى هو احتلال عسكري رسمي وصريح لشمال العراق، وربما تنفتح شهية تركيا فتبتلع الموصل أيضاً، بعد أن ابتلعت نصف مساحة محافظة دهوك في كردستان، ولم يزل الإعلام والتصريحات التركية تتحدث عن رغبتها باحتلال كركوك المدينة النفطية الثانية بعد البصرة بانتاج النفط العراقي.
السؤال، الآن، ماذا سيفعل العراق: هل يكتفي بالاحتجاج الإعلامي أم ماذا؟ وماذا استفاد العراق من وجود قوات حزب العمال الكرستاني ال بكه كه في شماله؟
عشرون سنة والعراق عبارة عن مبنى يتشكل من طابقين، الطابق الأعلى تديره أميركا وسفارتها، والطابق الأرضي تديره إيران وسفارتها، ويبدو أنَّ الإجراءات العملية بدأت ببناء طابق ثالث لتركيا وسفارتها!؟
إقرأ أيضاً: العيد واختفاء الأفراح؟
العراق أصبح نهب دول الجوار؛ شعب يائس ومغلوب على أمره، طبقة سياسية متهالكة، وحكومة غير قادرة على مخالفة الدول الثلاث ولا الأحزاب النافذة، معارضة وطنية غير فاعلة لأنها دون تنظيم، معادلة في غاية الصعوبة والتعقيد في مرحلة تعد الأسوأ في تاريخ بلاد الرافدين، أمريكا وضعت العراق في أتون النار والضياع والتمزق.
دخول الجيش التركي في العمق العراقي وتأسيس قواعد لطائراته وانتشار دباباته ونقاط السيطرة والتفتيش وتدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية وتهجير سكان عشرات القرى والقصبات، يضيف إلى الواقع العراقي أزمة جديدة وطويلة الأمد، الأمر الذي يعمق الشك لدى العراقيين بأن ثمة اتفاقاً عراقياً تركياً بهذا الشأن، وما يدفع لهذا الشك هو الصمت الأميركي إزاء مايحدث، وكذلك غياب الاعتراض أو الاحتجاج الإيراني، برغم أنها أحدى الجهات المتهمة بتقديم الدعم إلى البكه كه، وكذلك صمت الطبقة السياسية العراقية وأحزابها الماسكة بالسلطة والنفوذ.
إقرأ أيضاً: بزشكيان والمعادلة الإيرانية
أزمة حقيقية تضاف إلى أزمات العراق بعد تراكم الأزمات في الخدمات وشح الكهرباء وهيمنة الفساد على جميع وزارات الدولة، وربما قريباً سوف تتفجر أزمة أخرى تتعلق بمطالبة السّنة في المحافظات الغربية بإقليم خاص بهم، على غرار ما حصل مع الكرد في المحافظات التابعة لإقليم كردستان، بعد أن شعر السّنة بوجود عملية تغيير ممنهجة لتحويل مجتمعاتهم مذهبيا ًوطائفياً.