تتحدث الحكاية عن الشاعر العراقي حسين مردان، رائد قصيدة النثر وصاحب ديوان "قصائد عارية"، وكان يعيش حالة من العبث والتشرد الاختياري، وذهب في أحد الأيام لمدير دائرة العقاري، وطلب منه أن يسجل ملكية القمر باسمه، لأنه يمضي الليل ساهراً يغازل القمر ويحرسه من اللصوص.
هذا الحكاية خرجت من تلافيف الذاكرة وأنا أقرأ التقرير الممتع الذي نشرته BBC ونقلته صحيفة "إيلاف"؛ يتحدث التقرير بتفصيل شيق عن تهافت محموم للسيطرة على القمر "إذ وضعت العديد من الدول والشركات القمر نصب أعينها في سباق من أجل البحث عن الموارد الطبيعية، والسيطرة على الفضاء في عهد استكشاف القمر وثرواته المخبوءة".
تاريخ طويل من الزمان العربي والشعراء يغازلون القمر ويرسمون عليه ملامح حبيباتهم... وبحر من الأغاني التي استهدفت القمر في اشتقاقات معاني جمالية ليس من اليسير إحصاؤها، فالرحابنة جعلوا من القمر جيران لفيروز في "نحن والقمر جيران"، وفي ليل القاهرة استضاف الملحن محمد الموجي القمر ليضعه على باب فائزة أحمد، وقبلهم جميعاً عزف بيتهوڤن "سوناتا" القمر ليظهر مبكراً في سماء العاشقين والسهارى، حدث ذلك قبل مئة عام وأكثر من تصميم أول مركبة فضائية قاصدة القمر.
تقول BBC: "خلال الـ 12 شهراً الماضية، حطت مركبات فضائية هندية وأخرى يابانية على سطح القمر. وفي شهر فبراير/شباط، أصبحت شركة "أنتويتف مشينز" الأمريكية أول شركة من القطاع الخاص ترسل مركبة على سطح القمر. وهناك شركات أخرى في الطريق.
"وفي الوقت نفسه تريد ناسا إرسال البشر مرة أخرى إلى القمر. ويستعد رواد الفضاء في برنامج أرتيميس للهبوط على سطح القمر بحلول عام 2026. وتقول الصين إنها سترسل البشر إلى القمر في عام 2030. وبدل الزيارة القصيرة، تعتزم إقامة قواعد دائمة هناك".
إذا استطاع شعب الصين العيش على القمر ووجد الماء والطعام، فلن تمضي سنوات طويلة حتى تجدهم يشيدون سلماً بين القمر والأرض، لتتسلق ملايينهم الفائضة عن الأرض، ومن يقدر على إيقاف شعب الصين وتدفق ملايينهم نحو القمر وحمل صناعاتهم معهم بعد أن انتشرت في أصقاع الأرض.
يقول جاستن هولكوم، خبير علوم الأرض في جامعة كانساس: "علاقتنا بالقمر ستشهد تغيراً جذرياً في القريب العاجل"، ويضيف: "سرعة استكشاف الفضاء فاقت القوانين التي نضعها".
إقرأ أيضاً: الأسلحة السرية!
يذكر التقرير أن السباق نحو القمر، يمنح جائزة أكبر، هي الموارد الطبيعية.
فعلى الرغم من أن سطح القمر يبدو قاحلاً، فإنه يحتوي على معادن، من بينها التربة النادرة، والحديد والتيتانيوم، والهيليوم أيضاً، التي تستعمل في صناعة كل شيء من الموصلات الفائقة القدرة إلى التجهيزات الطبية.
وحسب التقديرات فإن قيمة هذه الموارد كلها تترواح ما بين التريليونات إلى الكوادريليونات. وهذا يفسر لماذا ينظر البعض إلى القمر على أنه مكان يمكن الحصول فيه على الأموال الكثيرة. لكن ينبغي التوضيح أن هذا استثمار على الأمد الطويل جداً.
إقرأ أيضاً: الدكتاتور المتمرد صدام حسين يتناسل عراقياً
وعلى الرغم من أن مساحة القمر شاسعة، فإن الحفر التي تحتوي على الجليد هي أهم الموارد المطلوبة هناك. فما الذي سيحدث إذا وقع نظر كل واحد على المكان نفسه، لإقامة قاعدة فيه مستقبلاً؟ وإذا أقامت دولة قاعدة لها في مكان معين، ما الذي يمنع دولة أخرى من إقامة قاعدة ملاصقة لها؟
وترى جيل ستيورات، الباحثة في سياسة وقانون الفضاء في مدرسة الاقتصاد في لندن، أن هذا الوضع فيه تشابه مع ما حدث بخصوص القطب الجنوبي: "فقد نرى قواعد بحثية مقامة على سطح القمر، مثلما هو الأمر في القارة القطبية الجنوبية".
إقرأ أيضاً: ماذا لو توقف الموت عن زيارة البشر؟
منذ أن وجدت الخليقة، كان القمرُ جميلاً مضيئاً ونظيفاً، يقترب من الأرض ليقبلها كلما أكتمل وجهه الأبيض؛ القمر شمعة الليل لسكان الأرض قبل أن يكتشفوا الكهرباء، محطة للعاشقين الذين يسافرون إليه في أحلامهم، كما تزاحم على ضوئه شعراء الأرض ليدونوا أوصافه على معاطف العشق وفي دروب الليل، كان ضوء القمر يعانق الأرض ويضحك كل مساء بتفاخر حين يرى صورته على صفحات الأنهار، لكنه يخاف أن يبتلعه البحر فيهرب منه قبل أن تطلع الشمس.
سيفقد القمر عذريته ويهرب مبتعداً عن الأرض، إذا استعمرته وحوش المال والسلاح من شركات البشر، عندها سوف تبقى مشاعر أهل الأرض بلا رومانسية حوار ولا قصائد تغازل القمر... ستمضي في عتمة دائمة.