لم يعد يكفي إسرائيل ضمان نظام الأسد لصمت جبهة الجولان السورية مقابل مكافأته بالبقاء، رغم ارتكابه ما عجزت هي ذاتها عن فعله تجاه سوريا، الخطر المهدد لوجودها.
ذلك ان جبهات إسرائيل تعدّدت بفعل المشروع الإيراني وأذرعه، وخاصة أن تلك الأذرع ومشغلها جعلت من فلسطين هاجسها، حتى ولو بغرض المزايدة.
لقد وصلت إسرائيل و مَن هم خلفها إلى قناعة أن ارتباك منظومة الأسد ببقائها جعلها الأداة التي من خلالها قد تم اهتزاز الكيان وجودياً بفعل الخرق الغزاوي مؤخراً. ومهما قدّم نظام الأسد من تنازلات كبيرة الآن، لن يستطيع وقف الآتي، اذ لم يعد يكفي إسرائيل ضمان صمت جبهة واحدة.
حقيقة الأمرالصادمة تكمن بأن إسرائيل فجاة خسرت كل جدوى قدمها هذا النظام الوظيفي لعقود بساعةٍ واحدةٍ.
إن كل ماقدمه نظام الأسد لإسرائيل تاريخياً تبخر بلحظة؛ فرغم أنه:
*ساهم مساهمةً فاعلةً بإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان، فها هي حماس تدخل إلى قلب الكينونة الصهيونية، وتهددها بالصميم، الذي اعتزّت به تاريخياً.
* ساهم بانهاء المقاومة العراقية، و ها هي إيران تضع يدها على العراق، وتبدأ بتحريك الأذرع، و الوجهة، على أقل تقدير من باب المزايدة، نحو تهديد إسرائيل.
* كسر شوكة السوريين على مدار نصف قرن، و ها هم السوريون يخرجون من القمقم كطائر الفينيق مدركين مكمن الدّاء الذي أبقى على جلاّدهم، و زاد في عذاباتهم.
ان نظام الأسد الآن في أضعف لحظةٍ استراتيجيةٍ في تاريخه. لقد أتت به قواعد المكان؛ و هي ذاتها ستذهب به. لقد ارتكب الخطأ الاستراتيجي التراكمي المميت، الذي طالما انتظره السوريون لوقتٍ مديد؛ و بشكلٍ مدهش.
ما يحدث الآن كارثي على الأسد و منظومته؛ فالمحاكم الدولية تنتظر ملفات الجرائم التي ارتكبها، وفعل المحاسبة سيأخذ زحماً غير مسبوق؛ والملف الكيماوي سيكون أحد المحركات التي تضعضع كيانه، وسيستمر تآكل اقتصاده وقاعدته الشعبية بسرعة، و إسرائيل لن تثق به مجدداً؛ فلا خدماته شفعت؛ ولا شعبه خلفه.
نظام الأسد الآن قلِقُ جداً من الروس، ومن السويداء، ومن اسرائيل، و حتى من ايران بمرحلةٍ قريبة؛ فهي ذاتها التي سحبت منه اوراق اللعبة الخارجية.
أما إسرائيل، فلن تعطيه وقتا لينهض الا بشرط واحد، لن يقدر عليه، و يتمثَّل تحديداً بفك ارتباطه بإيران وحزب حسن نصرالله التابع لها.
ستبقى ايران ملاذه مع الروس،رغم اعتماده عليهم ليس عسكريا وماليا فقط، بل يحتاج الفيتو الروسي أيضاً.
وفي الوقت ذاته، يخشى ان يبيعه الروس بصفقة يوماً؛ وقد يكون هذا اليوم قد اقترب جدا. و من هنا تبقى ايران خط رجعته، اذا ما تخلى الروس عنه.
في هذا المفصل بالذات، تأتي لحظة رد الحسابات الايرانية التي حُشِرَت الآن بزاوية ضيقة. وإذا ما دخلنا أعماق العقل الاسرائيلي الاستراتيجي وفق معيار امن قومي إسرائيلي لا مصالح أمريكيةً تتجاوزه، يبرز السؤال: أي النظامين (الأسدي أم الإيراني) هو الأكثر جدوى و الأقل خطراً؟ و أيهما يشكّل قيمة أعلى كركيزة بالمنطقة يمكن فَرَصَاً اعادة تأهيله بشروط ؟
مبرر السؤال المزدوج أن إسرائيل في اللحظة الحاسمة ستفرض مفاضلة بين الطرفين.
إذا ما كان الجواب "نظام الأسد"، سيبرز هنا سؤال آخر مفاده: هل هناك قواعد شعبية تضمن توقيع الأسد سلام ثابت؟! في هذا السياق بالذات، نتذكر عبقرية توقيت حَراك السويداء وإعادته صرخة الحرية لكل سوريا الرافضة لمنظومته.
أما اذا وقع الخيار على إيران، فالسؤال الذي سيبرز هو: هل تقبل ايران ان تنهي مشروعها المحمول على مظلومية جمعت حلفاء شيعة من اليمن للعراق للبنان،لسوريا، لباكستان؟
المُرَجَّح هو أن تفككًا تسلسليًا للمنظومة بكليتها من حلقة أضعف الى أخرى أعلى، أو شلّ الرأس الحيوي لتتبعث الأطراف.
ومن هنا، فإنه من المؤكّد ألا تُقَدَّم لنظام الأسد أي مقابل مطلقا، ولو قدّم ألف تنازل.
ها هو نظام الأسد يواجه مكر التاريخ، و يدفع ثمن وعواقب براعة القتلة الوظيفيين.