إشارات سريعة عن تركيا واللقاء المزمع مع رئيسها وردت على لسان الرئيس السوري بشار الأسد في مقابلته التلفزيونية مع قناة «سكاي نيوز عربية» منذ أيام قلائل كشفت عن وجود أزمة كبيرة ليس فقط في علاقات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس السوري؛ بل وأيضاً مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ربما تعرقل اللقاء المحتمل بين الرئيسين السوري والتركي؛ بل ربما تؤجل الزيارة المنتظرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتركيا المتوقع أن تتم هذا الشهر.
فالتطورات التي حدثت في تركيا وفي السياسة الخارجية التركية منذ فوز الرئيس رجب طيب أردوغان يوم 28 مايو/أيار الماضي بولاية رئاسية ثالثة، ومنذ التطورات التي لحقت بعلاقات تركيا بكل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد القمة الأطلسية التي عقدت في مدينة فيلينيوس عاصمة ليتوانيا، لم يعد السؤال المثير للاهتمام هو هل حدثت استدارة في علاقات أردوغان بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبالتبعية مع الرئيس السوري بشار الأسد؟ بل ما هي حدود هذه الاستدارة، هل هي استدارة كاملة أم مجرد نصف استدارة وعودة أردوغان إلى التلاعب بالغرب كما تلاعب بروسيا وسوريا؟
قبل تلك التطورات كان الرئيس التركي في لهفة للقاء الرئيس السوري بشار الأسد في قمة تُعدّل من موازين التنافس الانتخابي مع غريمه كمال كليتشدار أوغلو زعيم الحزب الجمهوري المعارض الذي أكد في رسالة للرئيس الأسد عزمه على سحب القوات العسكرية من سوريا في حال فوزه في انتخابات الرئاسة التركية. الرئيس بشار الأسد ربط لقاءه مع أردوغان ب «إنهاء الاحتلال التركي للأراضي السورية»، ولم يقبل بأي تسمية بديلة لوجود القوات التركية على الأراضي السورية، ولم يقبل بالاستجابة لطلب كليتشدار أوغلو زيارة دمشق لمعرفته أنه «مرشح الغرب»، وأنه في حال فوزه سيوظف الدور التركي لخدمة المخططات الأمريكية والغربية في سوريا. وكان قراره أن يتم لقاء القمة مع الرئيس التركي عقب انتهاء الانتخابات الرئاسية التركية وليس قبلها، على العكس من التوصيات والرهانات الروسية.
ففي لقائه مع شخصيات تمثل منظمة التحرير الفلسطينية قال ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي إن الرئيس فلاديمير بوتين عندما استقبل الرئيس السوري بشار الأسد في لقائهما الأخير قبل أسابيع قليلة من إجراء الانتخابات التركية، أبلغ الرئيس الأسد بوضوح أنه كان يرغب، بإلحاح، في تنظيم لقاء بين الرئيس الأسد وأردوغان قبل استحقاق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا، لكن الرئيس الأسد فضّل انتظار نتائج تلك الانتخابات.
فاز أردوغان في الانتخابات على نحو ما كانت تأمل روسيا، لكن لسوء الحظ جاءت قمة حلف شمال الأطلسي في ليتوانيا بعد شهر ونصف الشهر تقريباً لتقلب التوقعات حيث تمكن أردوغان من استخدام ورقته القوية التي أجاد استخدامها لإجبار الغرب على القبول بمطالبه، وهي ورقة موافقة تركيا على انضمام السويد للحلف مقابل حصول أردوغان على موافقة الاتحاد الأوروبي على انضمام تركيا إليه، وموافقة واشنطن على «انتشال تركيا من مأزقها الاقتصادي» مقابل ابتعاد تركيا عن روسيا.
أردوغان الذي، يبدو أنه قرر الاستدارة نحو الغرب، فاجأ الأوروبيين والأمريكيين في فيلينيوس بإعلان موافقته على انضمام السويد إلى الحلف. وفي فيلينيوس أيضاً حصل أردوغان على حزمة سخية من الوعود الاقتصادية والعسكرية الأمريكية والأوروبية أبرزها بالطبع إعداد الاتحاد الأوروبي خريطة طريق لبحث انضمام تركيا، وهو الأمل الذي كان ومازال يشغل كل الأتراك وليس أردوغان وحده، وكان هذا ثمناً أوروبياً- أمريكياً كافياً للاستدارة التركية.
الرئيس السوري أدرك حقيقة هذه الصفقة وأدراك أن تركيا قررت أيضا الاستدارة عن لهفتها السابقة للقمة التركية- السورية، وأنها باتت متورطة في دعم المخطط الأمريكي في سوريا، على حساب التقارب مع دمشق بكل ما يعنيه ذلك من دعم تسخين جبهة الشمال السوري، وهذا ما التقطه الرئيس الأسد، وأعلن بسببه أنه «لن يلتقى أردوغان بشروطه».