: آخر تحديث

وزير منتصف الليل؟

70
58
54

حينما يحمي وطيس بازار المناصب في العراق ندرك عظمة مقولة (لا يولى طالب الولاية) وروعتها في إعطاء تلك الصلاحية لهيئة رأي او جهة تشريعية او حاكم عادل، ويمنع ذلك التهافت والمتاجرة بالمناصب التي ابتلت بها بلداننا ناهيك عن التوسط والرشاوى التي ترافق عملية التنصيب بعيدا عن الكفاءات والاستحقاقات المهنية وميزان الرجل او المرأة المناسب والمناسبة في المكان والمنصب المناسب، ولا شك بان ذلك هو الطريق الأقصر والاسلم لتحقيق الهدف المرتجى في تقدم مجتمعاتنا وأداء حكوماتنا واداراتها بعيدا عن الوساطات والبيع والشراء لكراسي السلطة والمناصب.

ولعل الكثير من المصطلحات الشعبية الدارجة تنطبق على العديد الغالب من متبوئي المناصب في بلداننا وخاصة تلك التي تشبه عريس الغفلة الذي يؤتى به على غرة أو دون سابق إنذار لتزويجه من مطلقة كي يصح إعادتها شرعيا إلى زوجها الأول، أو ربما يؤتى به زوجا لتغطية فضيحة ما، وفي كل الأحوال ليس عليه إلا حمل لقب زوج شرعي لتفادي مشكلة معينة ولمليء فراغ محدد حتى أجل مسمى!

في معظم بلداننا الشرق أوسطية وخاصة العربية منها ومن شابهها عالم عجيب ورهيب هو عالم المناصب والإدارات على مختلف مستوياتها ودرجاتها وامتيازاتها الكارثية وقد اردت بمسمى عريس الغفلة ان الج هذا العالم المقزز الذي يأتي بالمغامر من حلبات الجريمة أو العصابة أو النكرات إلى اعلى المراتب في الدولة، كما قال عنه ومارسه ذات يوم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (نحن نطلق صراح المتهم من على كرسي الإعدام إلى الشارع فورا ومنه إلى كرسي الوزارة)، وليس أدل على فوضى المناصب وتقلدها في بلادنا من الانقلابات وما جرى بعدها من احداث أدت الى دفع أفواج من النكرات والمغامرين وحمقى العسكريين والفاسدين وبقالي السياسة الذين حولوا دولنا إلى هذا الشكل المعوق بعد ما يزيد على قرن من تأسيسها؟

لقد واجهت شعوب هذه الدول التي انتجت تلك الأنظمة المعاقة سياسيا وثقافيا واخلاقيا وموروثها المشحون بالألم والإحباط واليأس تحديات وكوراث اكبر من تحملها أدت الى قبولها بأي تغيير حتى لو كان خارجيا كما حصل في العراق حيث كانت شعوبه تتأمل خيرا بسقوط نظامه الطاغي وبداية حقبة جديدة يفترض أن تكون بالضد تماما من سابقتها التي اندثرت مع سقوط النظام، لكن الأمور لم تك هكذا في بلاد قضت أكثر من نصف عمرها تحت ظل أنظمة دكتاتورية وزعماء متخلفين أنتجت أجيالا وأنماطا من السلوكيات والثقافة البائسة التي نشهدها اليوم في شكل النظام السياسي وأداء عناصره سواء في البرلمان أو الحكومة ومؤسساتها.

فقد حملت سفينة الديمقراطية المستوردة مجموعة من الأحزاب وكتلها واصطفافاتها المذهبية والقبلية مئات النكرات والمتخلفين ممن يحملون لقب عريس الغفلة، الذين حملتهم ثقافة البداوة والعقلية العشائرية أو الطائفية المقيتة لكي يكونوا في مواقع بريئة منهم تمام البراءة، وهم يشغلونها بالتأكيد لحساب منظومة المحسوبية والمنسوبية الخارجة بالتمام والكمال عن أي مفهوم للمواطنة والكفاءة والقيادة، فقد امتلأت مجالس الاقضية والمحافظات والبرلمان وكل الوزارات دون استثناء بالمئات من الراقصين على كل الحبال منذ زعيمنا الأوحد وحتى بطل التحرير القومي ومختار زمانه، وهم يقومون بواجباتهم في تدمير البلاد وإفسادها حتى غدت الأكثر فسادا وفشلا في العالم حسب توصيف مؤسسات الشفافية العالمية؟

بعد عقدين من تغيير نظام الحكم وتطبيق مفترض لنظام ديمقراطي يمنح الانسان المناسب مكانه المناسب؛ يتم استيزار شخص اعلى طموحه ان يكون مديرا لدائرة فرعية في ناحية او قضاء بمكالمة تلفونية في منتصف الليل لوزارة يفترض أن يكون وزيرها على اقل تقدير من علماء بلده!

ترى العيب في مجتمعاتنا التي لا تقبل الاخر ام في حكامنا الذين طلبوا الولاية فولوهم إياها؟


[email protected]


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.