منذ ان عمّت الخرافات وانتشرت في بلاد الرافدين بشكل مهول باعتبارها حقيقة مطلقة لا يجب النقاش بشأنها واتسعت مظاهر الماورائيات وإحياء الميثولوجيا ورؤى التديّن السقيمة لا القناعات الدينية السليمة وانبثاق المعجزات في الذهن الجاهل العاجز غير المبتكِر وظهور أساليب التخريف والاستشفاء بطرائق الغيب والنذور والعلاج بالكتب السماوية والمنهاج النبويّ وتعاويذ الأئمة حتى صارت اللافتات تصدم ناظريك أينما ذهبت وحيثما أزفت في أرجاء وطني الذي نحبّه حبا جمّا ونأسى على الحال السقيمة التي يعاني أهلوه اليوم.
فهذا الروحانيّ الماثل بثقل لافتته الضخمة أمامك في سطوح العمارات العالية قادرٌ على ان يخرج الجان من دواخلك ويعيد الزوج الى زوجته المطلّقة ليعيشا مجددا في أمان وسكينة وله قوة سحرية على إعادة الغائب النائي بأسرع ما تجلبه طائرات البوينغ والجامبو ويشفي كل ما عجز النطاسيون الفطاحل من تطبيبه ودفع شروره.
ذات يومٍ قرأت لافتة كبيرة مؤخرا في أرقى أحياء بغداد وبارزة على سطح عمارة شاهقة عن رجل في مقتبل العمر كما توحي صورته المعلّقة جنب اللافتة ويسمي نفسه سايكوباثيا كتب في اللوحة الخاصة به ما يعجز نطاسيو الإغريق والصين والهند والفرس والعرب عن علاجه مثل ابيقراط وجالينوس وابن سينا وابن النفيس والرازي وما دوّخ المحدثين النفسانيين مثل سيغموند فرويد وألفريد إدلر عن استشفاء النفس من أمراضها المربكة التي دوّخت علماء السايكولوجيا وطبيبي الأعصاب ويأتي شخص نكرة وضيع العقل لكنه ماكر الحيلة ليلعب بعقول المساكين الجهلة ويسلب منهم ما جمعوه من مالٍ واستدانوه بشقّ الأنفس أملا في العلاج والشفاء.
نفس الحال والمآل يمارسه من نصّب نفسه وليّاً وسيدا من أتباع آل بيت النبوة يحسبه من يطلب المعافاة من العاجزين عقلا وعضلاً ليوحي لهم بالشفاء من بركات المولى فلان والسيد فلتان والصديقة الطاهرة ابنة الحسب العلوي والنسب الحسني فانتشرت علاجات الوهم والتضليل والإيحاء بالشفاء من قوتهم الخارقة وقدراتهم التعجيزية وعجائب ما انزل الله بها من سلطان بحيث أصبحت خيوط خرقة العلق الأخضر التي تشدّ على اليد والعنق للتبرّك وطلب الاستشفاء أكثر شفاء وفعالية من خيوط العمليات الجراحية وصار الحجاب والحرز الذي يشدّ به زند المريض أكثر قوة استشفائية من المضادات الحيوية والأدوية الناجية الناجعة ومن مقاييس ضغط الدم وحقن الوريد في أوردة المعنّى وشرايينه.
ويعمل هؤلاء اللاعبون بعقول المتعبين على نشر أكاذيبهم ومعجزاتهم الوهمية على أوسع نطاق بواسطة أُجَراء ومهرّجين ومريدين إعلاميين ويبثون الإعلانات ويستضيفونهم على القنوات الفضائية الرثّة لقاء مبالغ مغرية تدفع من قبل مرتزقة الشفاء على انه الطب القرآني والنبوي البديل ويتقنه أرباب السحر والشعوذة بمهارة اللاعبين على حبال الوهم والإيحاء ليستقطبوا أكثر عدد ممكن من المكدودين وذوي الحاجات العميان .
هنا في بلادي المنهكة ينتصر الوهم على العلم ويعلو الدجل على شرف العمل ويفوق الكذب على الطب وينتشر المرقد وتضيق المدرسة وصفوف الدراسة والمعهد ويختفي الدواء ليحلّ محله الدعاء.
ومن يدري في غضون السنوات اللاحقة إذا ظلّ الحال على هذا المآل سيكون في كل بيت ضريحٌ لِمولى شافٍ ومزارٌ لِمُعافٍ ليطبّب أهله ويُغيّبُ عقله!!
أوقن ان هناك من يشوّه إرثنا العتيد ويثلم أخيارنا من السلف الصالح ليُحيله طالحا من اجل منافعه الشخصية عن طريق الخداع والضحك على أهلنا المبتلين بالرزايا والأسقام والمكدودين بثقل الحياة، وهنا لا بدّ ان نرفع سوطنا وسيفنا إذا اقتضى الأمر لإيقاف مثل هذه الحالات البذيئة التي ابتلينا بها ولو كانت قسراً أو رغما وعنوة ان لم ينفع النصح والتوجيه والإرشاد السليم.