إيلاف من لندن: وجه رئيس المجلس الاعلى للقضاء العراقي الخميس انتقادات حادة الى القوى السياسية والبرلمان الذي وصفه بالفاشل وطريقة كتابة الدستور والكتلة الأكبر وتشكيل حكومات التوفق.
فقد أفصح القاضي فائق زيدان رئيس المجلس الأعلى للقضاء العراقي أعلى سلطة قضائية في البلاد عن مواقف قانونية من قضايا ملحة تشغل العراقيين في مقدمتها تعديل الدستور والنظام البرلماني ومنح الحق للكتلة البرلمانية الأكبر بترشيح رئيس الحكومة وكذلك طريقة تشكيل حكومات التوافق منذ عام 2010.
رئيس وأعضاء المجلس الأعلى للقضاء العراقي (اعلام القضاء)
الدستور انعكاس لرأي معارضي صدام
وأشار القاضي زيدان في حوار مع مركز البيدر العراقي وتابعته "ايلاف" اليوم الى أن الدستور العراقي الجديد لعام 2005 وضع في مرحلة ما بعد نهاية النظام السابق عام 2003 وهو تشكل انعكاساً لرأي معارضة سياسية للنظام ولذلك فقد أثبت التطبيق العملي خلال الفترة الماضية أن كثيراً من النصوص التي تضمنها باتت بحاجة إلى تعديل لأنه قد صيغ بطريقة مستعجلة وكان ذلك بسبب تحديد مدة زمنية لإكماله حتى يتم التصويت عليه.
يشار الى أن مركز البيدر للدراسات والتخطيط هو منظمة عراقية غير حكوميّة وغير ربحيّة تأسس عام 2015 ويقول الى انه يهدف الى المساهمة في بناء الدولة والإنسان.
مخاوف المكونات
واضاف القاضي زيدان "أعتقد أنّ هذا كان خطأً ويتمثل خطأ آخر بعدم الاستعانة في كتابة الدستوربأشخاص متخصصين بالقانون والدستور، فكانت اللمسات السياسية، التي هي انعكاس لمخاوف كل مكون أكثر وضوحاً من اللمسات القانونية والدستورية فيه وخاصةً ما يتعلق بالشيعة والكرد في مرحلة ما قبل عام 2003 فلما اكتشف السياسيون فيما بعد أن هذه المخاوف لم تكن في محلها وخاصة بالنسبة للشيعة فصاروا أنفسُهم يطالبون اليوم بتعديل الدستور ونحن نتفق معهم وخاصة في موضوع الفيدرالية وطبيعة النظام.
وبين انه يعتقد أن بلداً مثل العراق لا يصلح فيه النظام البرلماني لأنه سيؤدي بالنتيجة إلى تكريس المحاصصة، ولهذا من الضروري تعديل الدستور وخاصة في موضوع الفيدرالية وطبيعة النظام .
الحزب الفائز يشكل الحكومة وليس الكتلة الاكبر
وعن امكانية تعدل الدستور اشار القاضي زيدان الى انه هناك فرضيتان: فرضية أن يكون التعديل على المواد الدستورية غير الخلافية لكي يمضي التعديل بسهولة؛ لانه لدى كل مكون مصلحة معينة سيحاول زج مادة أو مادتين تخصه كمكون وبالتالي سيتم عرقلة تمرير التعديل إذ ان هناك لجنة أعدت مسودة تعديل للمادة 76 من الدستور لكنها كانت غير واضحة وسببت اشكالات ولذلك كان الرأي أن تتم صياغتها بشكل أوضح ويكون الحزب الفائز هو الذي يشكل الحكومة وليست الكتلة الأكثر عدداً داخل مجلس النواب، وكذلك المادة الدستورية المتعلقة بانتخاب المحافظ من قبل مجلس المحافظة وتعديلها بانتخاب المحافظ من قبل الناس، وهكذا بقية المواد الأخرى.
وعن الفرضية الثانية قال "أتوقع عدم قبول الكتل السياسية ذلك؛ والاعتراض لن يكون على هذه المواد وإنما ستحاول تلك الكتل أن تحشر مواد أخرى التي هي مواد خلافية لاسيما ما يخص حقوق الإقليم والنفط والغاز وغيرها، وبالنتيجة سوف تتعطل عملية تعديل الدستور".
مادة سببت أزمات سياسية
واكد القاضي زيدان ان من أبرز المواد التي بحاجة إلى تعديل هي المادة 76 التي سببت الازمات السياسية بعد عام 2010 فقد فُسرت هذه المادة لظروف معروفة في وقتها ونحن لا نتفق مع تفسيرها لأنه كان تفسيراً خاطئاً، وكل الحكومات التي شُكلت بعد 2010 لا تستند إلى هذا التفسير أي أنها لم تُشكَّل من قبل الكتلة الأكبر بل شكلت بطريقة التوافق "وعلى كل حال نعتقد أن هذه المادة بحاجة إلى تعديل وإعادة صياغة".
ابتزاز
وعارض القاضي زيدان تعيين المناصب العليا في مجلس القضاء الأعلى بموافقة مجلس النواب.. منوهاً الى انه شخصياً تعرض إلى ابتزاز عندما رُشِّح رئيساً لمحكمة التمييز إذ تأخرت عملية التصويت حول ذلك آنذاك بحدود السنة بسبب الابتزاز السياسي.
وأوضح انه "لهذا أنا من أشد المتحمسين إلى تعديل هذه المادة لأنها تحشر موافقة مجلس النواب الذي هو عبارة عن قوى سياسية متناقضة ومتعارضة وأحياناً تنظر إلى مصلحتها قبل أن تنظر إلى مصلحة البلد وهذا بصراحة خطأ تاريخي".
وأشار الى أن هذا الامر بحاجة إلى تعديل واعادة صياغة المواد الدستورية الخاصة بالسلطة القضائية وفق الرؤية القضائية وليس وفق الرؤية السياسية.
مبنى المجلس الأعلى للقضاء العراقي في المنطقة الخضراء وسط بغداد (إعلام القضاء)
تجربة فاشلة بامتياز
وفيما يخص رؤيته للنظام البرلماني الحالي في العراق أجاب رئيس المجلس الاعلى للقضاء بالقول "لكي أكون صريحا ً أقول إنها تجربة هذا النظام فاشلة بامتياز وهذا الذي ترونه دليل على ذلك، ونحن مع تغييره إلى نظام رئاسي وليس شبه رئاسي".
ونوه الى ان هناك تجربة قريبه للعراق في مصر وهو النظام البرلماني في تجربة (الإخوان المسلمين) فشلوا ورجعوا إلى النظام الرئاسي.. وزاد " انظر إلى نتائجه الإيجابية، مصر دولة فقيرة لا تمتلك موارد؛ ولكن وحدة القرار ساهمت بالنهوض بالدولة وبناء مدن جديدة، ووضع اقتصادي مختلف، وضع أمني مختلف تماماً، هذا نموذج حي يمكن الاستفادة منه".
أميركا نقلت تجربتها الى العراق
وحول مبررات تعدد المؤسسات الرقابية من هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية و لجان النزاهة التي انتجت علاقة عكسية بين كثرة هذه الجهات ومسألة الفساد تحديداً.. أوضح القاضي زيدان أن واحدة من الأشياء السلبية التي جاءت بعد عام 2003 أن أميركا أرادت نقل التجارب التي نجحت عندها إلى العراق، وكل الأفكار التي تتعلق بهذه التعددية هي موجودة ومقتبسة في أميركا حصراً، كلها تجارب مستحدثة أرادوا تطبيقها في العراق، قد تكون بعنوانها صحيحة، لكن التطبيق غير صحيح، نحن لدينا ديوان الرقابة المالية كان المفروض أن يتوسع عمله وفيه شخصيات وخبراء.
وأضاف ان كل جرائم الفساد الإداري موجودة في قانون العقوبات رقم 69 قبل 2003: الرشوة والاختلاس، وحينما أتينا وأوجدنا هيئة النزاهة هل لم يكن أحد يُحاسب على الرشوة والاختلاس وجرائم الفساد الإداري مثلاً؟ قد تكون فكرة هيئة النزاهة صحيحة لكن بناءها كان خطأً.
تعديل الدستور لم ينجز
يشار الى انه في 28 تشرين الأول/أكتوبر 2019 قرر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي تشكيل لجنة لتعديل الدستور على خلفية تصاعد الاحتجاجات الشعبية على أن تنهي عملها وتقدم توصياتها إلى المجلس خلال أربعة أشهر لكنه على الرغم من مرور ثلاث سنوات فأن اللجنة عجزت عن تقديم أي مقترح للتعديل إلى البرلمان بسبب خلافات عميقة بين أعضائها الذين يمثلون قوى سياسية مختلفة.
وبحسب الدستور العراقي فإنّ تعديله يتطلب تشكيل لجنة برلمانية تقترح تعديلات تعرض على البرلمان للتصويت عليها قبل إجراء استفتاء شعبي بشأنها وتعد تلك التعديلات لاغية في حال اعترض عليها المشاركون في الاستفتاء بثلاث محافظات عراقية.