قبل فترة ليست بعيدة كثيراً وخلال حوار لوزير الصناعة الأستاذ بندر الخريف في مقر صحيفة «عكاظ» بجدة مع عدد من الكتاب والإعلاميين والمهتمين بقطاع الصناعة، كنا نستمع إلى طموحات هائلة في هذا المجال، تمشياً مع مستهدفات الرؤية الوطنية 2030، ربما اعتقدنا في ذلك الوقت أنها سوف تستغرق وقتاً طويلاً لتحويلها إلى استراتيجية واضحة المعالم محددة الأهداف والنتائج، لكن الأمر لم يستغرق طويلاً، إذ أطلق ولي العهد الأسبوع الماضي واحدة من أهم الاستراتيجيات، ليس في إطار رؤية 2030 فحسب، بل في تأريخنا الوطني بإعلانه الاستراتيجية الوطنية للصناعة التي اختصر تعريفها ومضمونها بقوله: «لدينا جميع الممكنات للوصول إلى اقتصاد صناعي تنافسي ومستدام، من مواهب شابة طموحة، وموقع جغرافي متميز، وموارد طبيعية غنية، وشركات صناعية وطنية رائدة، ومن خلال الاستراتيجية الوطنية للصناعة وبالشراكة مع القطاع الخاص ستصبح المملكة قوة صناعية رائدة، تسهم في تأمين سلاسل الإمداد العالمية، وتصدر المنتجات عالية التقنية إلى العالم». وللبدء فوراً في تنفيذ الاستراتيجية تم تشكيل اللجنة العليا للصناعة برئاسة ولي العهد وتشكيل المجلس الصناعي بمشاركة القطاع الخاص، إذ لا وقت لدينا كي يضيع بحسب تأكيد وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان في الجلسة الحوارية للوزراء يوم الأربعاء الماضي، والذي أكد أيضاً أنه كان بإمكاننا أن نصبح مثل الهند والصين خلال الـ 40 سنة الماضية، ولهذا قررنا ألا نضيع وقتاً آخر، ولذلك أطلقنا الاستراتيجية الوطنية للصناعة.
المعلومات التي تضمنتها الاستراتيجية بحسب ما أعلن عنها، والتفاصيل التي ذكرها الوزراء المشاركون في الجلسة الحوارية، وهم وزراء الصناعة والثروة المعدنية، والاستثمار، والاتصالات وتقنية المعلومات، والطاقة تؤكد أن كل هدف في الاستراتيجية بني على دراسات تفصيلية لتكون صناعتنا الوطنية نوعية وتنافس عالمياً، وتسهم في رفع الصادرات غير النفطية بنحو 50%، وأن تكون المملكة ضمن الـ 15 اقتصاداً الأكبر والأكثر تقدماً ومرونة واستدامة، ولم لا وقد نجحت المملكة منذ عام 2016 فقط إلى الآن في إحداث قفزات كبيرة في مجال الصناعة بإنشاء أكثر من 3400 مصنع خلال 3 سنوات تعادل نصف ما أنشأته المملكة خلال أربعة عقود سابقة، والآن تأتي الاستراتيجية لتؤكد أن الصناعة خيار استراتيجي تضع المملكة في مصاف الدول متنوعة الإنتاج باستهداف 118 سلعة في هذه المرحلة تم اختيارها وفق أسس واضحة ضمن 12 قطاعاً صناعياً، تمتلك فيها المملكة فرصاً للمنافسة وتحقيق الريادة إقليمياً وعالمياً. وقد تحدثت الاستراتيجية عن أرقام هائلة سواء في قيمة فرص الاستثمار أو العوائد الاقتصادية، وهي ليست أرقاماً افتراضية أو تقديرية بل مدروسة بدقة شديدة.
هذه الاستراتيجية قد تشبه إلى حد ما الأثر الذي أحدثته الثورة الصناعية في دول الغرب خلال بدايات القرن الماضي وغيرت وجه العالم، لكنها تحدث الآن في المملكة التي أصبحت تعرف ماذا تريد وكيف تخطط وتنفذ من أجل الوصول له، معتمدةً على ما تمتلكه من مقومات وموارد وخصائص أخرى فريدة لا تتوفر لغيرها.
إنه عصر النهضة الصناعية السعودية الذي ستنخرط فيه المملكة لتحقق طموحات قيادة وثابة نحو المستقبل بثقة ومهارة وتفوق.