: آخر تحديث
"إيلاف" تقرأ لكم في أحدث الإصدارات العالمية

الانترنت يعرف عنك أكثر منك!

253
277
253

دخل الانترنت حياتنا فسهلها وجعلها أكثر تعقيدًا في آن، وباتت المواقع تعرف عنك أكثر مما تتذكره أنت عن نفسك فتعرض عليك متابعة ما ينسجم مع شخصيتك، وتحاول أن تحجب عنك ما قد لا يعنيك أو تكرهه.

إيلاف: هل كل ما نراه على الإنترنت واقع أم إنه بديل من واقع؟، وكيف تؤثر تفضيلاتنا الشخصية في موقع غوغل أو فايسبوك على المعلومات التي نحصل عليها وعلى كيفية تواصلنا مع الواقع ومتابعتنا ما نريد من أخبار؟، ثم ما عمق معرفتنا بحقيقة اللوغاريتمات المستخدمة في الانترنت ومدى تأثيرها على حياتنا اليومية في عالم يعمق طابعه الرقمي أكثر فأكثر كل يوم؟.

الرغبات محفوظة
هذه بعض الأسئلة التي طرحها، ثم حاول الإجابة عنها الكاتب والصحافي السويدي المخضرم بير غرانكفيست في كتابه المترجم حديثًا إلى اللغة الإنكليزية تحت عنوان "الفقاعة الكبيرة".  

الانترنت صديق يعرف عنك أكثر منك

الفقاعة التي يتحدث عنها الكاتب هي فقاعة المرشح أو Filter Bubble باللغة الإنكليزية ، والتي يستخدمها الجميع حاليًا على الإنترنت لتحديد التفضيلات الشخصية والقضايا التي يود كل شخص متابعتها.

لكن حتى لو لم تكن للشخص الذي يستخدم الانترنت تفضيلات معينة، عادة ما تقوم المواقع بمتابعة تاريخه على الإنترنت، وتاريخ نقراته، ثم تقدم إليه ما يروقه اعتمادًا على مبادئ علم النفس والسلوك والتسويق وما شابه. يعني ذلك أن المواقع تعرف ما يرغب في مشاهدته أو قراءته، وتعرض عليه ما يحب، وتبعده عما يكره.

هذه حقيقة نعيشها جميعًا نحن مستخدمي الانترنت بشكل يومي، حسب رأي الكاتب، الذي بدأ اهتمامه بهذا الأمر بعد انتخاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب، حيث شده فضول لمعرفة ما الذي أثر على خيار الناخب الأميركي، وكيف تأثر رقميًا بكل المعلومات المتوافرة والمحددة رغم ذلك داخل فقاعة ذات أبعاد معينة. وبعد الانتخابات صبّ اهتمامه على الحياة السياسية في السويد، وكيف يتابعها مستخدمو الانترنت.

جدلية التقنية والمعلومات
يقول الكاتب إن اللوغاريتمات غيرت أشكال التواصل والإعلام والحصول على الأخبار، لكن هذا التغيير لم يقتصر على أشكال الاتصال على الصعيد التكنولوجي فحسب، بل تعداه إلى خلق فكرة معيّنة عن قضية ما قد تكون مختلفة تمامًا عن فكرة أي شخص آخر في العالم عن القضية نفسها.

الخلاصة التي يتوصل إليها غرانكفيست هي أن التكنولوجيا الحديثة وطرق إيصال المعلومات إلى المستهلكين لا تسهم كثيرًا في تحسين فهم المتلقي وإدراكه للعالم بشكل عام، وينبه إلى أنه كلما تحسنت التقنية، قلت المعلومات الحقيقية التي يحصل عليها المتلقي.

من جانب آخر، يقر الكاتب بأن التكنولوجيا الحديثة طوّرت مجال الصحافة، وطورت المجتمع، من خلال إيصال معلومات عن كل شيء تقريبًا إلى كل شخص تقريبًا. 

مع ذلك فهو يرى أن هذه الفقاعات هي التي تجعل المرء يعيش في معزل عمّا يجري في العالم بشكل عام بسبب التفضيلات. ما يعني أن شخصين لو استخدما كلمة معينة على ماكينة البحث غوغل مثلًا، فسيحصلان على نتائج مختلفة تمامًا، لأن خيارات الشخصين مختلفة. ثم يتساءل الكاتب: أيهما يحصل على معلومات حقيقية، وأي المعلومات هي التي تعكس الواقع الحقيقي؟.

يشير الكاتب أيضًا إلى الجانب المالي المستخدم حاليًا في الصحافة على الإنترنت، وهو ما يعارض مبادئ المهنة بحد ذاتها، ويحوّلها إلى سلعة أو مصدر أخبار تصاغ حسب الرغبة. لكنه كذلك يلفت إلى أن الصحافة الجيدة عادة ما تكون غالية الثمن، وهو ما يخلق صعوبة في متابعة تيارات فكرية جديدة.  

سحب تغريدات
وكان الكاتب قد استخدم تقنية خاصة صنعت لهذه الغاية لمتابعة الأخبار السياسية في السويد عبر وسائل الإعلام السويدية. ويتضمن التطبيق ثلاثة ألوان مختلفة، أحدها يخص اليسار، والثاني اليمين واليمين المتطرف، والثالث للوسط. تقوم هذه التقنية بسحب تغريدات ينشرها أصحابها على 70 حسابًا في تويتر لحظة كتابتها، أي إنه يحصل عليها من دون أي تعليق إضافي ومن دون أي تدخل بشري.

عادة ما يقوم الموقع بإضافة اقتراحات إلى القائمة، وحسابات مرتبطة بالحسابات الأصلية. يقول الكاتب إن هذه العملية تم تنفيذها باستخدام لوغاريتمات تويتر، وهو ما جعل الأمر كله حياديًا وخاليًا من أي تحيز، لأن المسألة تقنية بحتة.

ركز الكاتب في دراسته التي نشر نتائجها في الكتاب على قضايا عديدة، منها السكن والجرائم والدفاع والهجرة والمساواة بين الجنسين والبيئة والضرائب والتربية والرعاية الصحية.  

تهديد للديمقراطية
أما هدفه من كل هذا فهو أن يجعل جميع مستخدمي الانترنت، لا سيما الصحافيون، يدركون حدود الفقاعات التي يعيشون داخلها مع تشجيعهم على التخلص منها، وفتح أنفسهم وعقولهم على كل الاحتمالات الأخرى، والآفاق التي توفرها ثورة المعلومات الحديثة، مع تحذير شديد اللهجة لمن يصر على الاحتفاظ بفقاعته من احتمال أن يكون كل الواقع الذي يعتقد أنه يعرفه مجرد خبر كاذب.

غرانكفيست صحافي مخضرم وصاحب تجربة غنية في الإعلام، ورغم أن الموضوع الذي يتناوله في الكتاب تقني تقريبًا، إلا أنه استخدم فيه مصطلحات عامة في محاولة لإيضاح معنى الفقاعات الشخصية التي نعيش فيها، ثم شرح كيف يتم احتكار دلالات الكومبيوتر على يد مؤسسات لا علاقة لها بالديمقراطية، وهو ما يشكل خطرًا على الديمقراطية نفسها، حسب قوله.

أعدت "إيلاف" هذا التقرير نقلًا عن "كيركس ريفيوز". المادة الأصل تجدونها على الرابط أدناه:

https://www.kirkusreviews.com/book-reviews/grankvist/big-bubble


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات