كتب الأطفال عالم من الفطنة والسحر قد لا يقدّره البالغون حق قدره، لكن فيه من الخيال ما يقوّي مخيلة الطفل، من دون أن يفصله عن الواقع. هكذا تكلمت كاثرين رونديل، مؤلفة كتب الأطفال الحائزة جوائز عالمية.
إيلاف من بيروت: بحسب كاثرين رونديل، مؤلفة كتب الأطفال المعروفة، ينبغي ألا يقتصر دور كتاب الأطفال على التعليم أو التسلية، فهذا الكتاب قادر أيضًا على توسيع عالمهم.
الطفل المستكشف في علم الخيال |
رونديل، صاحبة كتاب "الكشاف" The Explorer (المؤلف من 336 صفحة، منشورات بلومزبيري؛ 8 جنيهات إسترلينية) والفائز بجائزة كوستا، طفلة تعشق المطالعة، وتتوق إلى فهم هذا العالم المذهل المليء بالقسوة والبهجة، وكانت الكتب تحملها إلى عالم خيالي يساعدها على فهم المنطق السائد في العالم الحقيقي. كانت تجلس ساعات خارج صف الباليه، من دون أن تسمع همسة، على الرغم من الموسيقى التي تخترق الجدران.
تعتبر رونديل أن الطفل سيد أكوان كتبه. حتى إن لم يعرف في بعض الأحيان كيف يلفظ الكلمات أو ربما يتخيّل معنى آخر لها، فهو لا يطلب مساعدة أحد، لأنّه يفضّل أن يدخل إلى عالم كتابه بمفرده، من دون أن يتمكّن الآخرون من اللحاق به: "كنت، مثل معظم الأطفال، متعطّشة للخصوصية والاستقلالية، وأصبحت القراءة الشيء الأكثر خصوصية في طفولتي".
بين طفل وبالغ
من بين 100 كتاب هي الأفضل مبيعًا في العالم، شكّلت روايات الأطفال الخيالية في عام 2017 نسبة 39 كتابًا. ومع ذلك، تقول رونديل: "ما أن يعرف الناس أنني أكتب للأطفال، يطرحون علي السؤال الآتي: لماذا؟، لماذا لا تؤلّفين كتبًا حقيقية للبالغين؟".
في الواقع، ترى رونديل أنّه لا يمكن إلا لمخيّلة طفل أن تفتح عوالم جديدة. وثمة شيء فريد في الطريقة التي تقوم فيها الروايات بتلوين مخيّلة الطفل.
الراشدون لا يزيّنون الشخصيات، ولا يلبسونها حذاء أو يضعون لها طلاء الأظافر. "أما الأطفال فيفعلون شيئًا مختلفًا تمامًا عندما يقرأون. حتى إنّهم في بعض المرات وصفوا لي بأدقّ التفاصيل مشاهد غير موجودة في كتبي".
يرسم الأطفال بألوان زاهية في الهوامش التي يتركها الخيال مفتوحة. في هذا السياق، تذكر رونديل كيف تفاجأت عندما اكتشفت أن الكثير من التفاصيل التي ظنّت أنّها حفظتها في بعض الكتب التي قرأتها في صغرها، لم تكن موجودة فعلًا، فقد أضافت من مخيّلتها ثيابًا مطرّزة وأثاثًا في المنازل ورحلات مختلفة.
هذا من الأسباب التي تدفعها إلى كتابة روايات الأطفال الخيالية: "عندما تكتب لطفل، فأنت تبني له منزلًا، وعندما يقرأ ما كتبته، فهو يحوّل المنزل إلى قصر".
مخيلة تحويلية
تشير رونديل إلى أن أهداف أوّل كتب مطبوعة للأطفال كانت التعليم والتربية، مثل "كتاب الأطفال: آداب القرون الوسطى للشبان The Babe’s Book: Medieval Manners for the Young في عام 1868، ثم التسلية.
لم تتحرّر قصص الأطفال من الضرورات الأخلاقية المدرسية إلا مع روديارد كيبلينغ، ولويس كارول، وج.م. باري، وك.س. لويس الذين أسقطوا صورة الأهل المبالغين في حماية أولادهم، ومنحوا شخصية الطفل استقلالية لم يعرف بوجودها من قبل.
بالطبع، يقلق بعضهم من المكان الذي قد تصل إليه مخيّلة الطفل، لذلك تجد أن كتاب هاري بوتر محظور مثلًا في عدد من مدارس بريطانيا والولايات المتحدة، بسبب المشاهد السحرية والخارقة للطبيعة فيه.
تؤكّد رونديل أن مخيّلة الطفل تحويلية، وهذا يدفعها إلى كتابة قصص موجّهة إلى الأطفال، تساعدهم في أوقات الحاجة. تضيف إنّها في العاشرة من عمرها تقريبًا، حين كانت أختها المتبنّاة، أليسون، في غيبوبة، لم تكن تخلد إلى النوم إلا وكتاب The Jungle Book أو What Katy Did بيدها، حتى تهرب من الخوف من خلال هذين البابين الخياليين.
عالم الفطنة
بفضل الروايات التي قرأَتها، ما عادت رونديل تفكّر أن الإنسان الذي يموت يكون قد خسر المعركة، بل أصبحت مقتنعة أنّ أختها أليسون رابحة على الرغم من موتها، لأنّها حاربت بشجاعة ومحبة.
في هذا الإطار، تلفت رونديل إلى أن البالغين يجدون صعوبة في إخبار طفل عن حالة وفاة، وغالبًا ما يلجأون إلى العاطفية. أما الكتب التي أنقذتها من ضياعها عندما ماتت أختها، فكانت من دون مشاعر مثل charlotte’s web وReturn to the Willow وBallet Shoe.
تتابع رونديل: "بالطبع، هذا لا يعني أن على أدب الأطفال أن يكون مبنيًا على الألم، فالكتب ليست مهمّة حين نريد الهروب فحسب، حتى إنني لا أعرف إن كانت كلمة الهروب كافية للتعبير عمّا تفعله هذه الروايات. فهي علّمتني من خلال الساحرات والأسود والجواسيس والعناكب الناطقة أن هذا العالم هو عالم الفطنة والقدرة على التحمل، وأنّ قصص العالم مختلفة لا حصر لها، ولا يمكن التنبؤ بها، وأنّ قيمتي عالية، وأنّ الشجاعة والفطنة والحب أمور مهمّة. إنّها وعود كبيرة، تحقيقها منوط بالبالغين".
أعدّت "إيلاف" هذا التقرير عن "تلغراف". الأصل منشور على الرابط:
http://www.telegraph.co.uk/books/authors/children-need-read/