لم تكن ميركل يومًا ما إنسانة عادية. فبمجرد انتخابها كمستشارة ألمانية كسرت نمطًا ذكوريًا كان يتبادل المنصب. كما إنها تمكنت من التخلص من خصومها عبر استمالتهم إذ جعلتهم شركاء حتى تتخلص بطريقتها منهم سياسيًا.
إيلاف: "أنجيلا ميركل التي يسمّيها الألمان (ماما)، هي أقوى امرأة في العالم، وهي رديف الأمن والاستقرار، لا سيما في المرحلة الحالية التي شهدت اختيار بريطانيا مغادرة الاتحاد الأوروبي، ثم انتخاب دونالد ترمب رئيسًا في الولايات المتحدة"، هذه هي الخلاصة التي توصلت إليها الصحافية ماريون فان رينتيرغيم، التي أصدرت حديثًا كتابًا عن
قدر سياسية غير اعتيادية |
سيرة حياة المستشارة الألمانية البالغة من العمر 63 عامًا، والتي أمضت حتى اليوم 12 عامًا متواصلة في قيادة أغنى بلد، وربما أيضًا أهم بلد في أوروبا. عنوان الكتاب "أنجيلا ميركل، قصة قدر".
مثل صحن عدس
تصف الكاتبة ميركل بكونها "القبطان الهادئ الخلوق والفعال والمطَمْئِن والمتواضع، الذي يحتاجه زمننا الحالي". وجاء كتابها نتاج بحث وتحقيق معمقين عن حياة المستشارة أجرتهما في كل مكان في ألمانيا تقريبًا.
تصف الكاتبة ميركل بالقول: "ميركل مثل صحن حساء عدس. ليس جميلًا جدًا ولا رائعًا جدًا ولا مثيرًا جدًا، لكنه مغذٍّ، ونعرف تمامًا ما هو". ثم تلاحظ أنه لا يمكن اعتبار ميركل امرأة رائعة جدًا، ولا سيدة تتمتع بشخصية جذابة جدًا، بل هي تلقي خطابات مملة، وتفتقد إلى سعة الأفق، وليست لديها رؤية عريضة عن العالم، ولا حتى عن أوروبا.
مع ذلك، تعبّر الكاتبة التي حصلت على جائزة ألبير لندن للصحافة، وعملت لمدة ثلاثين عامًا مع صحيفة لوموند الفرنسية، تعبّر عن استغرابها، لأن ميركل تختلف عن كبار قادة هذا الزمان الآخرين، لأنها الوحيدة التي أمضت سنوات حياتها الأولى في ألمانيا الشرقية، ما يعني أنها عاشت في ظل نظامين، أحدهما دكتاتوري، والآخر ديمقراطي، وهو ما يمنحها، مقارنة بقادة دول مجموعة الدول العشرين مثلًا، نوعًا خاصًا من قوة الشخصية وذكاء أعلى. فعندما يستخدم الآخرون كلمات كبيرة للتحدث عن الحرية وعن الديمقراطية، نراها تتنفس هذه المفاهيم، وتعيشها بحذافيرها، وتحتفظ بها تحت جلدها.
كلا للإغراءات
تقول الكاتبة أيضًا إنها شديدة الإعجاب بقدرة المستشارة على مقاومة إغراءات المال والفخفخة ، وتبدو وكأنها "تملك حصانة خاصة أمام هذه المغريات، التي لا يستطيع أولئك الذين يصلون إلى السلطة مقاومتها بشكل عام. أما هي فظلت هي نفسها، وظلت لا تهتم حتى بالطريقة التي ترتدي بها ملابسها".
هناك نقطة أخرى تتطرق إليها الكاتبة بإعجاب، وهي أن وجود ميركل كما نعرفها يعبّر عن تطور وعن حضارة، لأنها امرأة في عالم رجال قبل كل شيء، وهي أيضًا مطلقة، وليس لديها أطفال، إضافة إلى كونها بروتستانتية في عالم كاثوليكي.
تختلف ميركل عن الآخرين حتى بالطريقة التي ظهرت فيها على مسرح السلطة في عام 2005. وكانت في ذلك الوقت "سيئة المظهر بشكل عام، ولا تعرف كيف تتصرف بشكل صحيح أمام الآخرين، وتبدو مثل شخصية لا منظورة، حتى إنه من الصعب تكوين انطباع معيّن عنها. لكنها وصلت إلى تلك الدرجة بعد حصولها على أصوات انتخابية مساوية تقريبًا لما حصل عليه خصمها غيرهارد شرودر، الذي كان يتصرف بشيء من الغطرسة والغرور المزعجين. وكان أيضًا يكره النساء، ويحمل قناعة بأنه هو من سيفوز، وبأن هذه المرأة البلهاء السقيمة لن تغلبه". ثم حدث ما حدث وفازت ميركل.
نشوة انتصار
تقول الكاتبة إنها شعرت بسعادة لا توصف بعد ذلك الفوز، لكون ميركل أول امرأة تشغل هذا المنصب. ثم تكتب: "عشت ذلك كما لو كنت أعيش انتصارًا، لأنها قدِمت من جزء متألم وجريح من ألمانيا، وهو جزء كان قد اقتطع من أوروبا، ثم لأنها كانت امرأة غير متغطرسة على الإطلاق".
مع ذلك، من المعروف عن ميركل التي تحمل شهادة دكتوراه في الفيزياء، والتي ولدت لأب يعمل قسًا وأم تعمل في مهنة التدريس، من المعروف عنها إتقانها ألعاب التكتيك الميكافيلية. ونقرأ في الكتاب "تمكنت ميركل من إسقاط جميع خصومها السياسيين واحدًا تلو الآخر، وخلفت وراءها جثثهم في كل مكان من دون أن يظهر أي تأثير لذلك على شكلها ولا على نبرة صوتها الهادئة".
وتروي الصحافية الكيفية التي أدهشت بها ميركل العالم عندما نأت بنفسها عن هيلموت كول، الذي كان يتزعم حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في عام 2000 عندما نشرت رسالة في وسائل الإعلام، قالت فيها إن زمن كول قد انتهى. وكان الأخير يواجه صعوبات بالفعل، ويبدو متأرجحًا في مكانه، ولكن كلماتها هي التي أنهته تمامًا عندما كتبت الرسالة، وقالت فيها إن هناك صفحة قد طويت. وأدرك الجميع بأن الصفحة الجديدة التي فتحت كانت صفحتها هي".
اليمين المتطرف
تكتب رينتيرغيم "يعمل النظام السياسي في ألمانيا اعتمادًا على الائتلافات، ولذا حوّلت ميركل خصومها في الحزب الاجتماعي الديمقراطي إلى شركاء. وكانت تلك هي طريقتها في القضاء عليهم".
مع ذلك تعرّضت ميركل إلى انتقادات حادة داخل بلدها بعدما سمحت بدخول حوالى مليون لاجئ إلى ألمانيا في عام 2015 معظمهم من سوريا ومن أفغانستان. بل واجهت اعتراضات كبيرة أيضًا داخل حزبها نفسه، وكانت النتيجة نمو قوة اليمين المتطرف، المتمثل في حزب البديل من أجل ألمانيا.
رغم ذلك، تلاحظ الكاتبة أن ميركل تمكنت من تجنب كارثة سياسية حقيقية: "كان من الممكن أن تكون النتائج أسوأ بكثير، ولكن ميركل امرأة ذات قدرات، والألمان شعب ذو قدرات أيضًا، وهو ما أسفر عن اندماج سلس لما يقارب من مليون شخص في مجتمعهم". وترى الكاتبة أن ميركل مستشارة محظوظة، لأن بلدها "شديد التنظيم وشديد الكرم".
ترى الكاتبة أيضًا أن حزب البديل من أجل ألمانيا قد يتحوّل لاحقًا إلى حزب ثالث في ألمانيا، ولكنها لا تعتقد أنه سيحصل على أكثر من 8% من الأصوات في نهاية الأمر، وهو ما ينبئ بأن ألمانيا، ورغم تنامي قوة الشعبويين، ستبقى بلدًا يتمتع بالأمان وبالهدوء".
أعدت "إيلاف" المادة نقلًا عن مجلة "لودوفوار". الرابط الأصلي أدناه:
http://www.ledevoir.com/culture/livres/508722/angela-merkel-ou-la-force-tranquille