: آخر تحديث
هاشتاك الناس

المستقل المزيّف

0
1
0

في كل موسم انتخابي، يظهر علينا نوعٌ جديد من المرشحين، مخلوق غريب الشكل، كثير التبسم، يدّعي النزاهة، ويرتدي قميص "الاستقلالية" كما يرتدي الممثل باروكة في مسرحية مدرسية.

إنَّه "المرشّح المستقل"...

لكن لا تنخدع! فهو في الحقيقة مستقل عن الحقيقة، لا عن الأحزاب. بل هو حزبي سابق، وميليشياوي متقاعد، ومقاول في خدمة النهب العام، قرر أن يغسل وجهه بيد السوشيال ميديا!

تُفتح له أبواب القنوات، وتروَّج بوستاته الممولة، يحمل لافتة "لا أنتمي لأي جهة"... لكن عند التدقيق، تكتشف أن الاستقلالية ليست أكثر من غطاء أنيق لتحالفات مؤجلة ومصالح متجددة.

إنَّه زمن "الاستقلال المعلّب": تغليف جديد لتاريخ قديم من الولاء والانتماء.

غالبية هؤلاء "المستقلين" هم في الواقع كوادر سابقة في أحزاب معروفة، أو موظفون سياسيون ببدلات مدنية، أو حتى أبناء عمومة لزعامات حزبية قرروا التنكّر بأزياء جديدة. بعضهم كان قبل أشهر يرفع رايات حزبية، يهتف باسم قادته، ثم فجأة أعلن "الانشقاق الروحي"، وكأن الذاكرة السياسية للشعب قد أُعيد ضبطها على وضع المصنع!

الأحزاب اليوم لم تعد تكتفي بمرشحيها المعروفين، بل أصبحت تُنتج "نسخًا محسّنة" تحت مسمى المستقلين، تمامًا كما تُطلق بعض الشركات علامات تجارية منافسة لمنتجاتها، لخداع المستهلك وتوسيع الهيمنة.

المستقل المزيّف هو ببساطة مندوب مبيعات حزبي يرتدي بدلة بلا شعار، تستقبله وتنتخبه على أنه النور في نهاية النفق… ليكتشف الناخب بعد فوات الأوان أنه مجرد مفتاح احتياطي لباب المحاصصة الطائفية.

والمشكلة أن هذا النوع أخطر من الفاسد المُعلن، لأن الفاسد نعرفه ونتوقع خيانته. أما هذا، فهو يبتسم مثل قطة قبل أن تسرق غذاءك، ويعدك بالخدمات والعدالة... ثم يختفي خلف كواليس المنافع.

المرشّح المستقل لا يقدّم برنامجًا مختلفًا، ولا موقفًا حقيقيًا من المحاصصة. يكتفي بشعار "أنا ضد الجميع"، لكنه لا يلبث أن يظهر بعد الانتخابات في صورة جماعية مع من "استقل عنهم"، ثم يصبح عضوًا فاعلًا في تحالفاتٍ تُعيد إنتاج ذات النظام.

الناخب المسكين، في سعيه للتغيير، يصوّت لعلبة جديدة بملصق جديد... لكنه يكتشف أن المحتوى هو ذاته: الوجوه القديمة بلون جديد فقط.

أما تمويل هؤلاء "المستقلين"، فهو لغز آخر. فكيف لمن لا يملك دعمًا حزبيًا أن يطبع آلاف الصور، ويستأجر مقرات فخمة، ويُنظّم مهرجاناتٍ تفوق في كلفتها ميزانية وزارة؟ الإجابة بسيطة: هناك دائمًا جهة تدفع... لأن لكل "مستقل" داعمٌ في الظل.

النتيجة: إعادة تدوير النفايات السياسية، حين تُفتَح صناديق الاقتراع، وتُعلَن النتائج، نكتشف أن كثيرًا من المستقلين لم يكونوا أكثر من حصان طروادة جديد دخل البرلمان لتمثيل ذات القوى القديمة، ولكن بلكنة ناعمة وخطاب "متمدّن".

وحين تبدأ التحالفات، نُفاجأ بأن المستقل صار نائبًا في تحالف "الدولة الشاملة"، أو وزيرًا باسم "الإصلاح الوطني"، أو حتى مستشارًا في حكومة يرأسها نفس من كان يعارضه في حملته!

في العراق، حتى الاستقلال... مدعوم من جهة. فيا أيها الناخب، لا تنظر إلى اليافطة، بل ابحث عن السيرة، البرنامج، الموقف، والماضي. وإلا... ستصحو مرة أخرى على البرلمان نفسه، ببزّة مختلفة فقط!

الاستقلال لم يعد موقفًا سياسيًا، بل تكتيك انتخابي. والمواطن، المُنهك من فساد الأحزاب، يركض خلف "أمل جديد"، فيأتيه هذا "المستقل المزيّف" كعطر مقلّد بعبوة فاخرة: ريحته طيبة... لكن بعد ساعتين يُسبّب صداعًا ودوخة سياسية!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.