: آخر تحديث

نبوءة الشرق الأوسط الجديد

2
2
1

شرق أوسط على وشك الاحتراق... جنون سياسي ملتهب بدأت شرارته من غزة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر). لكن ما جرى منذ ذلك اليوم المشؤوم، بكل ما فيه من أحداث ومجريات، كان تحضيراً وإعداداً لما نراه حالياً من تطورات متلاحقة، لم تهدأ وتيرتها نحو تصعيد متزايد يتسم بالانحدار؛ فلم يعد يجدي نفعاً المطالبة بوقف الحرب، أصبحنا في قاع الصراع... بفضل لغة سياسية غوغائية صاخبة تحمل رسائل تهديد بصبغة (يمينية دينية) تريد إقناع جماهيرها بأنها تمتلك الحق المطلق، ليكتمل مساقها بمشاهد متكررة؛ إجلاء رعايا، صواريخ ونيران، احتمالية إعادة فتح جبهات مجدداً، ووعيد بضرب قواعد عسكرية مترامية في المنطقة، وإعلانات بتدخل عسكري ذو طابع أميركي وأوروبي... طائرات وحاملاتها تتمركز في نطاق شرق يضج باتصالات دبلوماسية لم تلقَ صدى لاحتواء ما يمكن احتواؤه بعد، ووسائل إعلام ما زالت تروّج للمزيد.

الثابت الوحيد... أننا نعيش لحظة تحول فارقة في تاريخ الشرق الأوسط، سيناريوهات كانت حتى وقت قريب تُعد ضرباً من المبالغة في التحليل السياسي أو العسكري.
الهجوم بالطائرات... والقصف الصاروخي لم يعد استثناءً، بل بات نمطاً مستداماً لمسار الصراع ذي الفصول المتعاقبة بين الاشتباك بالوكالة إلى الصدام المباشر؛ صدام يقترب بحدوده إلى نقطة اللاعودة نحو دوامة عنف ستبتلع شعوباً ودولاً.

طهران وتل أبيب تجاوزتا مرحلة الرسائل المشفّرة عبر الوسطاء، وانتقلتا إلى مرحلة الرسائل المتفجرة التي تحدد لكل طرف سقفه السياسي على طاولة التفاوض بنسقها العبثي أمام حمى التصريحات الداعية إلى توسيع رقعة حرب تحقق مصالحهما في تثبيت زعامة شرق أوسطية منقوصة.

ببساطة، ما نبصره اليوم ليس ذروة المشهد، بل مقدمة تمهيدية لكتاب قد يُخلّد داخل صفحاته أعنف صراع إقليمي في العصر الحديث، إذا قرر الطرف الأضعف (النظام الإيراني) نقله من خانته الضيقة إلى دائرته الأوسع ليشمل لاعبين دوليين. فالاصطفاف السياسي الدولي الحاصل، كلٌّ في معسكره؛ الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى إيران وبقايا ميليشياتها ومن خلفهم روسيا والصين، اللتان تدركان بأن حرباً على إيران ستخلّ بموازين القوى في المنطقة؛ بما ينعكس على مصالحهم السياسية والاقتصادية، خاصة فيما يتعلق بخطوط إمداد النفط الإيراني، في ظل تهديدات بإغلاق مضيق هرمز.

مؤشرات الحرب الشاملة جلية؛ في هيئتها المتمثلة بصورة الدعم السياسي والعسكري اللامحدود، والذي يرتقي إلى مستويات الانخراط والمشاركة في التصعيد والاشتباك المستمرين، مما قد يدفع بإسرائيل للذهاب بعيداً في أهدافها نحو اقتلاع أسس وجذور النظام الإيراني؛ الذي ما إن توجّس الخطر على ديمومة بقائه سيقلب الطاولة على دول الإقليم جميعها.

في المقابل؛ فرص الوساطة السياسية التي يرجوها البعض ستصطدم بعناد أطراف الصراع؛ الذين لن يقبلوا صيغ الواقع السياسي الحالي التائه بين أهدافه التفاوضية... وتغيير واستبدال أنظمة حكم إقليمية، وهذا يصل بنا إلى حقيقة ثابتة أخرى: أن ما يجري وسيجري، إن استمر بنسقه التصعيدي نحو حرب شاملة بمفهومها التقليدي، سيفرض معادلات سياسية وعسكرية تجعل نبوءة الشرق الأوسط الجديد واقعاً متجسداً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.