: آخر تحديث
وسط تواصل تصفية القادة والعلماء:

"لعبة عرش" خفية داخل إيران بدعم خارجي؟

4
3
2

شهدت الساحة الإيرانية ولا تزال سلسلة من الأحداث الأمنية والعسكرية الضخمة التي تثير تساؤلات عميقة حول مدى اختراق أجهزتها الحصينة، فمنذ تصفية قائد فيلق القدس قاسم سليماني في أوائل عام 2020 مرورًا بالوفاة الغامضة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته إلى استهداف قيادات بارزة في فصائل المقاومة المدعومة من طهران، وأخيرًا الضربات الجوية الإسرائيلية وتصفية الكثير من قادة الحرس الثوري الإيراني وكبار ضباط الجيش الإيراني، وعلى رأسهم قائد الحرس الثوري ورئيس أركان الجيش ونائبه وقائد القوى الجوية والفضائية، تتكشف صورة مقلقة تشير إلى قدرة استخباراتية غير مسبوقة للموساد على العمل بحرية داخل العمق الإيراني. هذه الاختراقات دفعت بالعديد من المحللين إلى التساؤل: هل يمكن أن يكون هناك تواطؤ داخلي رفيع المستوى يمهد الطريق لهذه العمليات الدقيقة؟

تغلغل غير مسبوق: علامات استفهام حول الأمن الإيراني
إنَّ تتبع التطورات الأمنية في إيران يكشف عن نمط مقلق من العمليات النوعية التي تتجاوز مجرد جمع المعلومات الاستخباراتية، فعلى سبيل المثال، لم تقتصر هذه العمليات على استهداف شخصيات عسكرية بارزة كقاسم سليماني، بل امتدت لتشمل تصفية علماء ذرة إيرانيين رفيعي المستوى مثل محسن فخري زاده، وفي الضربات الأخيرة تصفية الكثير من هؤلاء العلماء الذين يديرون البرنامج النووي الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، شهدت إيران هجمات متكررة على منشآتها النووية والعسكرية، وما زالت هذه الهجمات مستمرة حتى الآن، بما في ذلك هجمات سيبرانية معقدة.

المفاجئ في هذه العمليات هو درجة الدقة والجرأة التي تتم بها تلك العمليات، ولعل الحديث عن إنشاء قواعد لتجميع الطائرات المسيرة الإسرائيلية داخل الأراضي الإيرانية وإطلاقها ضد أهداف عسكرية ومنشآت نووية أو حتى قواعد صواريخ أرض-أرض قصيرة ومتوسطة المدى التي استُخدمت لتحييد الدفاعات الجوية الإيرانية يمثل سابقة خطيرة في الحروب الحديثة.

هذه القدرات التشغيلية المتقدمة تشير بقوة إلى أنَّ الموساد لا يعمل فقط بنشاط وحرية داخل إيران، بل وربما داخل المؤسسات العسكرية والأمنية الحساسة نفسها، وربما تحت غطاء من جهة داخلية لا يمكن لأحد الاقتراب منها. من هنا تبرز تساؤلات محورية: من هي الجهة التي تقدم هذا الغطاء الأمني للتحركات الإسرائيلية داخل إيران؟ وما هي مصلحتها في ذلك؟ وهل يمكن قبول الرواية الرسمية للقيادة الإيرانية أو حتى الإسرائيلية في تبرير هذا الاختراق الأمني الهائل؟ والأهم من ذلك، هل تمتلك إسرائيل بالفعل الإمكانيات للعمل بهذه الطريقة المرعبة داخل الأراضي الإيرانية؟

إنَّ الإجابة على هذه الأسئلة يتطلب تحليلًا إستراتيجياً يعتمد على فهم عميق للأحداث داخل البيت الإيراني وتأثير المشاريع الإقليمية لطهران.

الصراع الداخلي الإيراني ومسار التوريث المحتمل
يشهد المشهد السياسي الداخلي الإيراني صراعًا خفيًا وعلنيًا بين تيارين رئيسيين: التيار الإصلاحي الذي ينظر إلى نجل المرشد الأعلى مجتبى خامنئي كشخصية محورية فيه ومُرشح محتمل لخلافة والده، والتيار المتشدد الذي تمثله قيادات الحرس الثوري والجيش.

إذ يسعى التيار الإصلاحي وفقًا لبعض التحليلات إلى "تطبيع" مكانة إيران في المنطقة والعالم بعد أن حققت أهدافها في إضعاف بعض الدول العربية وتهديد الأخرى. هذا المسار نحو التطبيع يستلزم بطبيعة الحال إزالة العقبات الرئيسية، وأبرزها التيار المتشدد و"أذرع" إيران الإقليمية.

من هذا المنطلق، يمكن تحليل الأحداث الأخيرة كجزء من صراع أوسع على السلطة والنفوذ. فوفاة الرئيس رئيسي ووزير خارجيته واستهداف قادة الصف الأول من الحرس الثوري الإيراني والجيش مؤخرًا، الذين يمثلون قلب التيار المتشدد، قد يُنظر إليها كفرصة للتيار الإصلاحي لتعزيز موقعه.

بالإضافة إلى ذلك، فإن استهداف وتصفية قادة الفصائل المتحالفة مع إيران مثل قيادات حماس وحزب الله (بما في ذلك شخصيات قوية مثل حسن نصر الله) يخدم هدف تحجيم هذه الأذرع وتقليل فعاليتها، مما يفتح الطريق أمام "تغيير" السياسة الإقليمية الإيرانية.

على النقيض من ذلك، فإن استهداف هذه الشخصيات يُضعف بشكل مباشر نفوذ التيار المتشدد الذي يعتمد على هذه "الأذرع" في تنفيذ أجندته الإقليمية.

ولعل إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا واستبداله بهيئة تحرير الشام (التي تُستغل في سياقات معينة لقطع طرق الإمداد) تُشكل حلقة أخرى في هذا المخطط المعقد الهادف إلى تغيير ميزان القوى الداخلي والخارجي لإيران.

في نهاية المطاف، إن هذه التطورات المعقدة تدفعنا إلى طرح سؤال جوهري حول مستقبل إيران ودورها الإقليمي. فهل ستنجح هذه "الاختراقات" في إضعاف التيار المتشدد وتمكين التيار الإصلاحي وتوريث نجل المرشد؟ وما هي التداعيات المحتملة على سياسة إيران الخارجية وبرنامجها النووي؟

من الواضح أننا أمام مشهد يتسم بالغموض والتكهنات. إن تحليل هذه المعطيات يظل محاولة لفهم لعبة الشطرنج الجيوسياسية المعقدة التي تُمارس في المنطقة.

يبقى السؤال الأهم: هل سيتمكن النظام الإيراني من احتواء هذه التحديات العسكرية والأمنية والسياسية، أم أننا على أعتاب تحولات جذرية قد تعيد رسم خريطة النفوذ في الشرق الأوسط؟ إن الأيام والأسابيع القادمة ستحمل إجابات على هذه التساؤلات، وتحدد ما إذا كانت هذه الأحداث مجرد صراع بين قطبين "إسرائيل وإيران" لتحقيق مصالحهم التوسعية، أم أنها جزء من إستراتيجية أوسع تُعِد المشهد لمرحلة جديدة في تاريخ إيران والمنطقة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.