إسرائيل تظل العامل المحوري، وإن بدت غائبة ظاهريًا، في مسارات المفاوضات بين الولايات المتحدة وإيران، مما يشكل عقدة معقدة تحدد ديناميكيات هذه العملية. تكمن هذه العقدة في المبدأ الأمني الإسرائيلي، المستمد من نشأتها بالقوة، والذي يرفض وجود دولة إقليمية قوية أخرى، خاصة إذا امتلكت قدرات نووية تهدد نفوذ إسرائيل وتحصرها ضمن حدود جغرافية ضيقة.
وتواجه إسرائيل الآن خيارين: الأول شن هجوم عسكري منفرد على إيران دون مشاركة أميركية، وهو خيار يتماشى مع عقيدتها الأمنية بمنع أي دولة من التفوق عليها نوويًا، لكنه محفوف بالمخاطر، إذ قد يؤدي إلى حرب إقليمية شاملة تُلحق بإسرائيل أضرارًا جسيمة، خاصة أن نتائجه غير مضمونة. وحتى لو شاركت الولايات المتحدة في الهجوم لضمان بقاء إسرائيل، فقد يُفضي ذلك إلى صراع عالمي كارثي. أما الخيار الثاني فيتمثل في إدراك إسرائيل أنَّ المفاوضات ليست تنازلاً أحاديًا، بل تتطلب توازنًا. إيران، كدولة قوية تملك أوراق ضغط عديدة، تطالب بنفوذ إقليمي، وهو ما تعتبره إسرائيل تهديدًا مباشرًا. إسرائيل تعي أن هذه المفاوضات لم تأتِ عقب هزيمة إيران عسكريًا، بل هي عملية تنازلات متبادلة. إيران قد تقبل بتفكيك جزئي لبرنامجها النووي لإطالة أمد امتلاكها للقدرة النووية، لكن هذه التنازلات لن تلبي كامل مطالب إسرائيل. الولايات المتحدة، بدورها، تخشى الحرب الشاملة مع إيران لأنها ستضر بمصالحها الإقليمية ومصالح حلفائها، مثل دول الخليج، بينما قد تستفيد قوى منافسة كالصين وروسيا. وتجارب أميركا في أفغانستان والعراق تعزز هذا الحذر.
تقارير، مثل تلك التي ظهرت في "يديعوت أحرونوت"، تشير إلى رغبة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في شن عملية برية ضد إيران لتسجيل إنجاز تاريخي، مدعومة بتراجع النفوذ الإيراني في سوريا، التي أصبحت فضاءً أكثر أمانًا للعمليات الإسرائيلية، وضعف أذرع إيران مثل حزب الله وحماس بعد ضربات متتالية. إسرائيل ترى أنَّ تحول إيران إلى قوة نووية سيغير موازين القوة ويعزز التنافس النووي الإقليمي، مما يدفعها لتفضيل الخيار العسكري. لكن البعض يرى أن الهجوم البري قد يتحول إلى مستنقع طويل الأمد بلا نتائج مضمونة، خاصة أنَّ إيران ليست على وشك امتلاك سلاح نووي. هجوم مماثل قد يدفع إيران إلى طرد المراقبين الدوليين وإخفاء برنامجها النووي، مما يعقد الوضع. مسؤول إسرائيلي أكد أنَّ أي قرار بهذا الحجم يتطلب دعم الولايات المتحدة، مما يجعل إسرائيل تسعى لتكون "الحاضر الغائب" في المفاوضات للضغط على إيران لتقديم تنازلات أكبر، مؤكدة أن الخيار العسكري مطروح، وأن إيران ستتحمل خسائر فادحة، وربما تفقد نظامها، إذا لم تستجب.
المفاوضات تفرض عدة سيناريوهات. الأول، قبول إيران بتفكيك برنامجها النووي بالكامل دون اللجوء للخيار العسكري، وهو مرفوض إقليميًا لأنه يعزز هيمنة إسرائيل كقوة أحادية. الثاني، فشل المفاوضات واللجوء إلى الحرب الشاملة، وهو مستبعد لأنه يتعارض مع مصالح الجميع ويؤدي إلى خسائر فادحة. الثالث، التوصل إلى اتفاق أميركي - إيراني لا يلبي كامل مطالب إسرائيل ولا يفكك البرنامج النووي الإيراني بالكامل، بل يتضمن تنازلات متبادلة. هذا السيناريو هو الأكثر ترجيحًا، إذ يحقق توازنًا بين مصالح الأطراف.
في النهاية، المفاوضات هي عملية تنازلات متبادلة، وهذا مفتاح حل العقدة الإسرائيلية، حيث يسعى كل طرف لتحقيق أهدافه ضمن إطار التفاوض.