: آخر تحديث

قلق على سوريا.. لا الأقليات فحسب

1
1
1

لم تطل الأحداث الدامية المتنقلة على تراب الوطن السوري على بساط المفاجآت، والآتي يحمل في طياته ما هو أخطر.
لسبر أغوار التشرذم الطائفي والمجتمعي في سوريا، وجب العودة في عقارب التطورات إلى آب (أغسطس) العام الماضي. آنذاك تقرر أن تسيطر هيئة تحرير الشام، مدعومة بإمداد إقليمي وعشرات الفصائل السورية وغير السورية، على مدينتي حلب وحماة، لتكونا مع إدلب نواة كيان سياسي اجتماعي متكامل لمواجهة تعنت النظام البائد برئاسة المخلوع بشار الأسد، ودفعه نحو ساحة تفاوض ميدانية.

في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي خرجت الخطة إلى ميدان التنفيذ، تقدم سريع غير متوقع نحو حلب، ومن ثم حماة، وسيطرة تكاد تخرج عن السيطرة.
هنا، ثمة حدث ما غير قواعد الخطة واندفعت الفصائل كالطوفان لتجتاح المدن السورية الواحدة تلو الأخرى، لتجد أبواب دمشق مشرعة أمامها. فالجيش العربي السوري دون غطاء سياسي، وضباطه وأفراده على السواء، يقبعون على تخوم الجوع!

لم يكن أبو محمد الجولاني، قائد هيئة تحرير الشام آنذاك، مستعدًا لإدارة كل تلك المدن التي وصلتها اندفاعة الفصائل دون مقاومة تُذكر، حاول لملمة السلطة بأدوات إدارة إدلب ولم يُفلح.
الغنائم كبيرة بالنسبة لأمراء سبعة وأربعين فصيلًا رافقوا الجولاني، وربما بعضهم سبقه إلى عز الشام!
في الطريق إلى دمشق، خلع أبو محمد عباءة الجولاني وارتدى ربطة عنق الرئيس أحمد الشرع.

خطف خبر سقوط طاغية بحجم بشار الأسد، والفظائع التي سبر أغوارها سجن صيدنايا، السوريون والعالم، الاهتمام السوري والعربي والعالمي، وغاب أو تم تغييب الأجندات العقائدية للفصائل التي فُتحت لها أبواب دمشق!

مشكلة سوريا تكمن في أن النصر واحد، لكن أجندات الباحثين عن حصاد نتائجه كثر. وإلا كيف يمكن أن نفسر أن شريطًا مفبركًا يسيء إلى النبي الكريم (ص) يفجر العدالة الانتقالية، ويوقع عشرات الضحايا في السويداء وجرمانا ومحيطها؟
ما يُطلق عليهم الأقليات في سوريا، سواء أكانوا من الطوائف العلوية أو المسيحية أو الدرزية وحتى الأكراد، هم في مأزق حقيقي. سقط نظام مستبد، وجاءت فصائل بأجندات فئوية إلغائية، ولم يعد خافيًا أن بعض القادة الأجانب لا يسيطرون على الأرض بقوة السلاح فحسب، إنما يحكمون المؤسسات أيضًا، كما هو الحال في محافظتي طرطوس واللاذقية، حين عيّنت السلطة الانتقالية محافظين "جهاديين" لهاتين المدينتين، فضلًا عن ملاحظات تعيين الإخوة والمقربين في المناصب الحساسة!

من حق الشعب السوري أن يقلق، وليس الأقليات فقط. هذا الشعب العريق وضع في ثورته هدفين أساسيين: العيش الكريم، والأمان. فهل يشعر الشعب بالأمان في ظل حل الجيش وقوات الداخلية؟ وهل لامس العيش الكريم في ظل استمرار العقوبات الدولية بعد أكثر من ستة أشهر على سقوط نظام الأسد؟!

من حق الأقليات أن تقلق، وتتمسك بمطالب الحماية الدولية. ومن حقها أيضًا أن تتخذ كل إجراء للحفاظ على هويتها الاجتماعية قبل هويتها القومية. فبعد نحو ثلاثة أشهر من إسقاط نظام الأسد، خرجت السلطة الانتقالية في دمشق بإعلان دستوري يعتبر أن الفقه الإسلامي هو "المصدر الرئيسي للتشريع". ألم تكن عبارة "الشريعة أو الفقه مصدر للتشريع"، فـ"الـ" التعريف هنا أوقدت شرارة اللاأمان في نفوس الأقليات، سواء ببعدها الطائفي أو العرقي؟

ثم، وثم، ماذا عن الخطر "الداعشي" الذي يطلّ بين الحين والآخر، وسط توقعات بخروجه من أسوار المخيمات في شمال شرق سوريا؟!

الخطر المحدق بالشعب السوري لم يعد مجرد أسئلة تُطرح على بساط التحليل، إنما تحول إلى واقع مؤلم ينذر بما هو أخطر.
الشعب السوري، كما المنطقة، يريد أن يعرف ما إذا كان الرئيس أحمد الشرع يسيطر على الفصائل الموالية؟ وهل يكون في مأمن في حال مواجهتها؟

هنا بيت الأزمة... فمن يحكم دمشق؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.