: آخر تحديث

النظام الإقليمي العربي والبناء المغاربي

171
180
162

إدريس لكريني

رغم الإمكانات والمقومات المختلفة المتاحة للمنطقة العربية؛ فإنها لا تستثمر ولا تجّند بشكل جيّد خدمة للقضايا والمصالح الاستراتيجية التي تهم دولها، وشعوبها.. وتبرز الكثير من التجارب الدولية الرائدة أن امتلاك عناصر القوة لا يكفي لتحقيق المصالح والأهداف؛ بل يقتضي الأمر حسن توظيف هذه الإمكانات، وتوجيهها على نحو سليم.

إن عالم اليوم بقضاياه الكبرى ومخاطره العابرة للحدود؛ هو عالم التكتل بامتياز؛ كإطار يسمح بمواجهة التحديات التي تطرحها التحولات الداخلية، أو تلك التي يفرضها المحيط الدولي. تواجه المنطقة العربية في هذه المرحلة المفصلية من تاريخها تحديات، وإشكالات كبرى؛ تتنوع بين ما هو داخلي وخارجي؛ خصوصاً بعد تحولات «الحراك» التي أدخلت المنطقة في متاهات صعبة، ومكلفة بالنسبة للنظام الإقليمي العربي برمته. انسجاماً مع مضامين ميثاق الجامعة العربية؛ يمكن لتفعيل التعاون بين النظم الإقليمية العربية الفرعية أن يدعم تعزيز النظام الإقليمي العربي؛ باتجاه تطوير التعاون، وتنسيق المواقف إزاء مختلف القضايا المشتركة.

راكمت دول مجلس تعاون الخليج العربي تجربة متميزة على مستوى التكتل، والتنسيق، والتطور الاقتصادي؛ وحقّقت طفرة نوعية على مختلف الواجهات في إطار تكتلها الواعد، وفي مقابل ذلك؛ مازال الاتحاد المغاربي الذي تأسس في عام 1989 يعيش حالة من الجمود.

ولعل السؤال الذي يطرح في خضم التراجعات التي تشهدها المنطقة على واجهات عدة؛ هو كيف يمكن للتنظيمات الفرعية دعم النظام الإقليمي العربي؛ وهل يمكن المراهنة على الاتحاد المغاربي في هذا الصدد؟ برز النظام الإقليمي العربي مع تأسيس الجامعة العربية كجزء فرعي من النظام الدولي، وقد تركّزت أولويته لعقود على القضية الفلسطينية؛ قبل أن ينفتح على مجموعة من القضايا، والإشكالات الأخرى. وتجمع الدراسات والتقارير على أن النظام الإقليمي العربي يعيش أحلك فتراته في المرحلة الراهنة، نتيجة للأزمات والصراعات التي عمّت المنطقة برمتها، بما فتح المجال لتدخلات إقليمية ودولية لا تخفى مخاطرها، وتداعياتها. ويمكن تلخيص ملامح هذه الوضعية في حالة التقسيم، والتجزئة، والصراعات الداخلية التي تعيش على إيقاعها الكثير من دول المنطقة؛ وعدم القدرة على تدبير الخلافات السياسية، والمذهبية.

علاوة على تنامي المخاطر غير الدولاتية العابرة للحدود؛ بعدما وصل الأمر إلى الإعلان عن إحداث «إمارات إسلامية» في كل من العراق وسوريا اللتين خرجتا من دائرة حسابات القوة بالمنطقة لمصلحة تحالفات، وموازين جديدة، فيما سقطت دول أخرى من هذه الحسابات بفعل انشغالاتها بتداعيات الحراك، واتجهت نحو العسكرة بدل تشبيك المصالح الاقتصادية.

وفشلت الجامعة العربية في تدبير الأزمات بالمنطقة، ومنع خروجها عن نطاق التحكم والسيطرة، في غياب رؤية منسجمة واستراتيجية، تجسد التعاون والتنسيق وتجاوز الخلافات القائمة. وهو ما يعكس بشكل جلي عدم استيعاب تبدّلات الواقع الدولي. إن تجاوز مأزق النظام الإقليمي العربي الراهن، وربح رهان التكتل، يتطلب تجاوز الخلافات البينية الضيقة، وتعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري وتشجيع الاستثمارات البينية؛ وتوظيف التنوع والاختلاف الذي يطبع المنطقة بشكل بناء، والاستفادة من التجارب الدولية الرائدة في هذا الصدد؛ كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي اعتمد التدرج، والتشاركية، والممارسة الديمقراطية، والتشبيك الاقتصادي، كسبيل لتدبير الأزمات.

وعندما تم الإعلان عن تأسيس الاتحاد المغاربي في نهاية الثمانينات من القرن المنصرم؛ لم تمانع التيارات القومية هذا التوجه؛ ولم تعتبره خياراً تقسيمياً. إن التركيز على الاتحاد المغاربي كتنظيم فرعي من شأنه أن يعطي صورة مصغرة لطبيعة النظام الإقليمي؛ فدوله تتموقع في منطقة استراتيجية؛ وتتفاعل باستمرار مع المتغيرات الإقليمية والدولية، كما أنها معنية بمجمل الإشكالات التي تعيش على إيقاعها المنطقة.. لقد شكل هذا البناء حلماً للأجداد؛ لاقتناعهم بأهمية المقومات، والإمكانات التي تختزنها هذه الدول، وبعد مرور زهاء أربعة عقود على توقيع معاهدة الاتحاد؛ جاءت الحصيلة غير مرضية، بما في ذلك ضعف التبادل التجاري بين الدول المغاربية؛ وضعف المصالح الاقتصادية؛ وغياب إرادة سياسية حقيقية؛ أو أرضية ديمقراطية صلبة تعزز هذا الخيار.. رغم المقومات البشرية، والطبيعية، والثقافية، والاجتماعية، والتاريخية المتوافرة. وتوق الشعوب المغاربية إلى الوحدة والاندماج؛ وتزايد الإشكالات الأمنية بالمنطقة التي تفرض التنسيق والتعاون. ولا شك في أن المقومات المتوافرة للدول المغاربية والخليجية تشكّل في مجملها أرضية متينة من شأن استثمارها على وجه حسن أن يعيد الاعتبار للنظام الإقليمي العربي.

وقد أتيحت لي أخيراً فرصة المشاركة في أشغال الملتقى الدولي حول العلاقات المغاربية - المشرقية بين الواقع والمأمول، الذي نظمته جمعية البحوث والدراسات من أجل اتحاد المغرب العربي، ومؤسسة «هانس سايدل»، والمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات بتونس، بمشاركة عدد من الخبراء والباحثين من عدد من الدول المغاربية والعربية، وقد توصّل خلالها المشاركون إلى عدد من الخلاصات، والتوصيات التي تركزت حول ضرورة تعميق الحوار الفكري والعلمي حول التكامل البيني المغاربي - المشرقي، والعمل على تشخيص مستويات التكامل في سياقها السياسي، والاقتصادي، والثقافي، والعلمي، وتفعيل التعاون الاقتصادي البيني، وتشجيع الاستثمار البيني في هذه المرحلة الصعبة، وتحيين المنظومة القانونية المؤطرة للهيئات العربية الإقليمية في مقدمتها جامعة دول العربية بما يتماشى والتحولات الراهنة.

ودعا الباحثون والخبراء أيضاً إلى إنشاء معهد عربي مشترك للابتكار؛ يعنى بتنمية الموارد البشرية حسب معيارية جودة التعليم، وإلى استثمار التراث المادي واللامادي من أجل دعم التوجه المؤدي إلى التكامل بين المغرب والمشرق.
والعمل على جعل التكامل بين الجانبين رافعة للتكامل والتعاون العربيين. كما أكدوا أهمية تشبيك جهود كل الجمعيات العاملة في مجال التكامل بين المغرب والمشرق العربيين.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد