: آخر تحديث

ابن سوريا.. ذل عوز وإهانة!

17
17
13

في الغربة التي احتضنتنا يوماً نباركها، ويباركها معنا كل من هُجّر قسرياً بعيداً عن بلده وأهله وأسرته، نتيجة الدمار والخراب الذي حل بالرّقة، فضلاً عن الواقع المؤلم الذي عشناه وعاشه معنا أخوتنا في كافة المدن السورية. كان هذا الدافع الأساس الذي دفع الغالبية منهم للنزوح القسري إلى الداخل السوري، ومنهم من دفعت بهم ظروفهم الحياتية إلى الرحيل بعيداً حيث حط في بلاد النعيم. 

وإن كان الواقع دفع بالكثيرين منهم إلى المكوث في بلاد الله الواسعة التي تأقلم معها ابن سورية بعد أن قضى سنوات من الذل والإهانة والفقر المدقع، وتحمّل على مضض الكثير من المشكلات التي واجهته، فكانت بالنسبة له درساً خالداً لا يمكن بحال النكوص عنه، أو تغاضيه!.

في الغربة التي ركب موجها الكثير، ولم نشعر يوماً أننا فاقدين للأهل، أو بتنا بعيدين عنهم، والسبب هو أن أغلب المهجّرين الذين غادروا سورية هجروها إلى غير رجعة، و لم يؤثّر هذا فيهم بل زادهم حبّاً وعشقاً واحتراماً للبلاد التي وصلوا إليها، وأقاموا فيها وتلمسّوا ما لم يكن متوافراً لهم في بلادهم.

في بلاد النعيم، التي لجأ إليها الكثير من السوريين وغيرهم، وعاش فيها مئات الآلاف من المغتربين النازحين، وبصراحة عاشوا فيها أجمل أيام حياتهم بعيداً عن قمع عصابات بشار الأسد ولصوصه الذي حولوا البلاد إلى مزرعة خاصة بهم، في الوقت الذي بقي فيها الكثير من أهلنا في الداخل السوري رغماً عنهم، وكان من الصعب على الغالبية منهم مغادرتها، لأسباب عديدة، وأهمّها قصور العامل المادي الذي ألزم كثيرون على البقاء والتشبّث فيها برغم المعاناة والفقر والعوز، لأنهم لم يكونوا باستطاعتهم قادرين على تأمين لقمة العيش لهم ولأسرهم ففضلوا البقاء فيها مرغمين، وتحمّل الواقع بكل مؤسياته، بدءاً من سوء الخدمات وغيابها التام، وانتهاءً بغلاء الأسعار وندرة الأعمال التي يشغلونها  الشباب لدفع ما يترتب عليهم من مبالغ مالية يمكنها أن تسد حاجاتهم الضرورية!.

 المشكلة في الداخل السوري كبيرة، ولا يمكن بحال حلها، هكذا ببساطة، وخاصة مع تواجد الدولة الإسلامية "داعش"، وما تلاها من حكم "قسد"، الطامحة في بناء الدولة الكردية بعد أن تمكنت بالاتفاق مع الولايات المتحدة ودول التحالف من طردهم "داعش"، والقضاء عليه، فضلاً عن الخسائر الكبيرة في الأرواح والعتاد التي لحقت بهم أثناء تحريرهم الرّقة من "داعش"، وهذا ما كانوا يطمحون إليه، وإلى اليوم، والضحية ما بين "داعش" و"قسد" ظل المواطن السوري فريسة الرهان؛ ابن الرّقة الذي دفع الغالي والنفيس سواء لجهة محاولته الهروب من الرّقة، والفرار بشتى الطرق تخوفاً من تطبيق قراراته المثيرة للدهشة التي سلطت بسيفها على رقاب كل من يُخالف ما تقوم باستصداره من تعليمات وقرارات حاسمة وحازمة، وهذا الإجراء وحده كان كافياً للفرار من الرّقة وبصورةٍ خاصة، بالنسبة للشباب منهم وحلم الوصول إلى أوربا الذي تجسّد وتحقق للكثير منهم، وطموح الوصول إلى تلك البلاد الذهبية، ومنهم من خذلته ظروفه المادية ففضّل المكوث في مدينته على الفرار من بطش "داعش"، فلحقه مصير "قسد"، وتجنيد الشباب والحاقهم بالخدمة الإلزامية، والعيش المؤسي الذي عانى منه الكثيرون، وإلى اليوم!.

بكل الصور التي يمكن رسمها ظلّ ابن الرّقة حريصاً على العيش في صورة قهر حقيقي وحرمان، ناهيك الى ما كان ينتظره من تعنيف نظام الأسد والحال الذي لا يطاق الذي كان يُطبّق بحق غالبية الناس، والعيش بإذلال وفاقة وعوز لم يسبق له أن عاشه، أو عرف عنه، فضلاً عن أنواع الابتزاز الذي كان يلجأ إليه من أبناء جلدته، الذي كان يقوم بقمعة وتوبيخه، والعمل على تجريده من كل ما يملك من مبالغ ماليه مدخرة، وبالإكراه، وهذا ما كان يحدث لأبناء الرّقة على الحواجز التي اصطنعوها لإرهابهم في حال سفرهم إلى دمشق، وتعرّضهم لأمثال هذه المواقف التي يندى لها الجبين..

معاناة ابن الرّقة ظلّت كبيرة وميؤوس منها.. تحمّل ابنها معاناة كبيرة، وظل يعاني الأمرّين، وها هو اليوم يعيش الحالة بصورة أكثر ذلاً وفقراً، و ما زال هناك من يمجّد بالأسد، ويشيد بقيادته الحكيمة التي أذلته وألزمته على العيش في فقر مدقع، بعد أن كان المواطن السوري يعيش في بحبوحة،  وفي مأمن وهو راضياً عن ذلك، برغم العوز الذي يعيشه!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في فضاء الرأي