ليت لو أن الشاعر الزغرتاوي العظيم يونس الإبن إبن الشاعر والرسام يوسف يونس لا يزال على قيد الحياة ولم يرحل عن هذه الدنيا الفانية عن خمسة وثمانين عاماً ليرى أن أرزات لبنان اللواتي كان قد أشبعهن غزلاً وقال فيهن:
هالْكم أرزي العاجقين الكون ..
وقبل ما كانوا هون ما كانش كون .. قد تحولن إلى حطب للنيران التي أشعلها الإيرانيون وأتباعهم في ضاحية بيروت الجنوبية بقيادة حسن نصرالله الذي لم يعد يعترف بأنه لا لبنانياًّ ولا عربياًّ وإن تبعيته هي لإيران الخمينية والخامنئية وللولي الفقيه وهذا في حقيقة الأمر بات واضحاً ومعروفاً وإلّا ما معنى أنْ تكون قوات حزب الله التي من المفترض أنها لبنانية مجرد فيلق إيراني في القوات الإيرانية التي باتت تتحكم بالعديد من الدول العربية.. وفي مقدمتها: "بلاد الرافدين".
إنّ هذا اللبنان الذي كان، قبل أن يُبتلى بسيطرة النظام السوري إنْ في عهد الأب وإنْ في عهد الإبن وقبل أن يحكمه حسن نصرالله بالحديد والنار نيابة عن الولي الفقيه وعن إيران الخمينية والخامنئية، نوارة الوطن العربي كله لا بل والشرق الأوسط بأسره وكان الشاعر لا يمكن أنْ يُعْترف بأنه شاعراً ما لم يمر ببيروت و"يتسكع" في شوارعها وينتقل بين مقاهي شارع الحمرا ويواضب على عناق رفوف مكتباتها وهذا ينطبق على الكتاب والصحافيين والشعراء و"الموسيقيين" وعلى الممثلين والممثلات.. وعلى الذين إعتادوا أن يمضوا أوقاتهم في مقاهيها التي لا مثلها مقاهٍ لا في الشرق ولا في الغرب.. وحتى ولا في العاصمة الفرنسية باريس ولا في العاصمة السويسرية بيرن!!.
وهكذا فإنّ بيروت هذه التي لم يصبح الكاتب كاتباً ما لم "يتسكع" بشوارعها ويتردد على كل مقاهيها وعلى كل مكتباتها وما لم يقرأ زوايا صحفها وهذا ينطبق على الشعراء.. وحتى على محمود درويش ونزار قباني وعلى المعارضين السياسيين في الوطن العربي كله وأيضاً وعلى قادة الثورة الفلسطينية الذين كانوا قد بدأوا من مخيمات بيروت ومن شوارعها ومن مقرات أحزابها بما فيها حزب الكتائب والأحزاب القومية واليسارية كلها وأيضاً والأحزاب الدينية وبدون ذكر الأسماء.
ولذلك فهل يعقل يا ترى أن يصبح لبنان يتضور جوعاً وأنه لم يعد فيه لا كتباً ولا مكتبات ولا أحزاباً لا قومية ولا وطنية وأن عنوانه أصبح: "حسن نصرالله" وكيل الولي الفقيه في بلاد الأرز وفي الجنوب اللبناني الذي كان ذات يوم بات بعيداً ممر البنادق والفدائيين إلى فلسطين ومقر الأحزاب اللبنانية وفروع الأحزاب القومية وهكذا فإن على من لا يعرف هذا أن يسأل صيدا وصور ومدن وقرى الجنوب والناقورة والنبطية وتبنين وجزين وحاصبيا.. وأن يمر بضريح القائد الجنوبي الكبير معروف سعد ويقرأ "الفاتحة" على روحه الطاهرة.
ثم وإنّ ما يزيد وجع اللبنانيين ووجع كل الذين مروا بلبنان وترددوا على مقاهي بيروت وعلى شارع الحمراء ومكتباته وحوانيته وأطلوا على بحر العاصمة اللبنانية من فوق "صخرة الروشة" أن يدركوا ويشعروا أنّ هذا البلد الجميل لم يعد لأهله وإنما لوكلاء دولة الولي الفقيه ولباقي ما تبقى من أجهزة الدول المجاورة الأمنية وهكذا فإنّ على من يريد أن يتأكد من مصير مرفأ العاصمة اللبنانية، الذي كان مرفاً عربياًّ ودوليا، أن يسأل صاحب ضاحية بيروت الجنوبية وأن يسأل أتباع حراس الثورة الإيرانية والمشكلة هنا هي أنّ السؤال عن هذا الأمر ومنذ لحظة إرتكاب هذه الجريمة، جريمة إزالة هذا المرفأ، بات ممنوعاً وأنه على من يتجرأ ويسأل أن "يتحسس" رأسه على الفور فقرار أتباع الولي الفقيه هو: أنّ المسؤول عن هذا هو "العدو الصهيوني" ولذلك فإن من يتجرأ ويقول الحقيقة سيدفع الثمن غالياً فقول الحقيقة في هذا البلد، بات مكلفاً فقرار صاحب ضاحية بيروت الجنوبية أنه لا حقيقة إلاّ حقيقته!!.