جميع الدول العربية، قدمت تهنئة مباركة للرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب. وأردفت تهنئتها بكلمات رقيقة تتطلع فيها الى تعاون كامل وتطوير للعلاقات مع الإدارة الجديدة التي ستتشكل. لكنها عبارات مجاملة تخفي خوفا وقلقا نعجز عن البوح به. العالم مصدوم، والشعوب العربية مصدومة، وقيادتها مصدومة. لكن ضعف هذه الأخيرة،يجعلها خائفة من التعبير عن خوفها.
نحن أضعف من دول كثيرة لم تتردد في التعبير عن قلقها من فوز ترامب. حتى في أفريقيا وبعض الدول اللاتينيةكانوا اكثر جرأة منا. أما الدول الاوروبية فلم يتردد قادتها بالإعلان صراحة عن قلقهم وخوفهم وارتيابهم من قدومترامب الى السلطة. الرئيس الفرنسي، المستشارة الألمانية ووزير خارجيتها، رئيسة الوزراء الاسكتلندية، والشعب الأوروبي في أكثريته، كلهم عبروا عن مخاوفهم بلا تردد،ودون الإختباء وراء كلمات دبلوماسية لا تغني ولا تسمن من جوع.
إن قلنا إن وضعنا العربي الضعيف يحتم علينا اخفاء مشاعرنا وخوفنا، فإن اوروبا تحتاج الى إمريكا اكثر منا،ومصالحها معها اعظم من مصالحنا، وارتباطها بواشنطنأقوى من ارتباطنا نحن، ومع هذا لم يتردد احد من الزعامات الأوروبية في التعبير عن قلقه وخوفه، كما لو أنه يقول "ليتك ما كنت يا ترامب".
يتفق كثير من المحللين على أن فوز ترامب يعود الى تركيزه على البيت الداخلي. على إعادة بناء امريكا قوية. وليتنا في الدول العربية ننصرف الى الأمر ذاته، بدلا من التطلع الى رضى ساكن البيت الأبيض. وليت امريكا حقيقة تنصرف الى البيت الداخلي وتدع العالم العربي في حاله. فيقيني أن العالم كله، لا نحن فقط، سيكون أكثر سلاما دون تدخل العم ترامب هنا وهناك. نعم، لنتمنى للرئيس القادم كل توفيق، احتراما لقرار الشعب الذي اختاره. لكن من حقنا كدول عربية، ان نعبر عن خوفنا. ان نقول "إن هذا الذي سيدخل البيت الأبيض قد يجعل أيامنا سوداء". كان عليه ان يسمع رأينا صراحة، كان عليه ان يعرف ما صار إليه حالنا بسبب السياسات الأمريكية الهوجاء، علًه لا يكررها.
ربما قال أحدهم لنعطي الرجل فرصته قبل ان نحكم عليه. وأجيب على ذلك بأني شخصيا لست ضده، ومن حق الرجل ان يثبت حسن نيته. لكن أفكاره التي طرحها تكشف عن جملة نوايا سيئة منذ الآن. وحتى لو لم ينفذ وعوده وتهديداتهفيكفي أنه استخدمها كورقة قد توقظ فتنة داخل امريكا نفسها، ثم ندفع نحن ثمن مداواة جراحها التي لا دخل لنا فيها.
لم أسمع قائدا عربيا واحدا يقول نعم، نحن قلقون، يقولنعم، نحن خائفون، في حين أننا نحن، ونحن تحديدا، نملك كل الحق في التعبير عن كل ما في الدنيا من خوف وقلق. فلئن قادنا رؤساء امريكيين أقل هوجا ورعونة من ترامب الى كارثة، فإلى أين سيمضي بنا هذا الأخير؟