لا ادري كيف يجرؤ الكثير من ساستنا ومن المحيطين بهم من زمرة الانتلجنسيا الدبقة التي يزدادون كالذباب على موائد أسيادهم الحاكمين طمعا في لعقة مال او حظوة وظيفة ان يسمّوا النظام الحاكم في بلادي أرض الرافدين انها ديمقراطية وقد يصل بهم التمادي في الصلف وعدم الاستحياء الاّ يخجلوا من نعته بان مايسمّى بالنظام الحالي الغارق في الفوضوية الرعناء بانه نظام المشاركة وهو لايعدو كونه محاصصة لصوص وقسمة أنخاب وأحزاب وتقطيع أوصال وطنٍ منهك لهذا وذاك مع وضع معادلة الطرح والاستثناء لهذا الشعب المنكوب بكل ماهو موجع ومدمّر.
اما آنَ لألسنتكم ان تستقيم وتسمّوا الاشياء بأسمائها وتقولوا ان نظامنا – ان كان ثمة نظام – هو " كليبتوقراطي " شكلا ومضمونا وقلبا وقالبا وليس له اي ارتباط أصلا بالأسس الديمقراطية، فأصوات الناخبين تُشترى ببخس الثمن واحيانا بخرقة بطانية زهيدة وبطاقة شحن هاتف نقّال لايتعدى سعرها سبعة دولارات وكيس من البطاطا وأشياء في منتهى الرخص والابتذال يخجل اللسان ان يذكرها.
أهزأ كثيرا حينما اسمع بعض سياسيينا وهو ينعت النظام القائم في بلادنا ويسميه نظاما ديمقراطيا فتيّا وكأن أمنية الديمقراطية وحمامة سعدها قد بسطت جناحها في بلادنا واستقرّت في برلماننا العزيز جدا هانئة سعيدة وأحيانا انفجر ضحكا حينما يقولون ان الدول المحيطة بنا تخشى ان تنتقل اليها هذه التجربة الديمقراطية الفتيّة في العراق.
ففي المنظور السياسي قد تظهر " الكليبتوقراطية " وبتعبير أكثر ايضاحا " حكم اللصوص " في بعض النظم الديمقراطية غير الناضجة والمنقولة بشكل أهوج لمجتمعات متخلفة غارقة بالجهل والاثنية ومشبعة بضيق الافق المذهبي او مبتلية بالنعرات القومية الشوفينية بسبب التمايز الديني والطبقي الذي تخلفه الانظمة السابقة وفقدان روح المواطنة الحقة القائمة على السواسية وعدم التمايز بين افراد الوطن الواحد، فالديمقراطية اشبه بالعمران الجميل الصاعد لايُبتنى على أرض وسخة وهشّة ومليئة بالنفايات.
ومن هذه الرثاثة والفروقات والتمايز تظهر طبقة سياسية مثل دمامل في جسد السياسة هم خليط من الموتورين وممتهني السطو المالي ممن يسمون اصطلاحا بالطبقة " الاوليجاركية " الطامعة تسارع في الاستحواذ على المال العام، هذه الفئة تفتقر الى الضمير وإباء النفس والعفّة والخلق الرفيع السامي اضافة الى خلوّها من الذكاء الرأسمالي ولا تفهم من اساليب الاستثمار شيئا فتقوم بتعطيل اي نشاط اقتصادي يعود بالنفع على البلاد ويديرون دفّة البلاد نحو الاقتصاد الريعي واستنزاف خيرات الوطن نهبا وسرقة غاية في الشراهة دون ان يستثمروا تلك الخيرات في مشاريع اقتصادية وعمرانية او نشاطات صناعية وزراعية تعمل على انهاض الرعية المتعبة المغلوب على امرها وتأهيلها وانتشالها من براثن البطالة، وباختصار شديد انها لاتريد شعبا منتجا عاملا دؤوبا يعمل على رقيّ بلاده بل تريده منشغلا بالنزاعات المفتعلة بمختلف اشكالها كالمذهبية والعِرقية مما تفرزه الاثنيات المتعددة من قيوح العداوات وهدر الثروات الوطنية البشرية منها والاقتصادية في تلك النزاعات واختلاق الحروب وتبديد المال العام الآتي من اقتصاد الريع وخلق مايسمى عسكرة المجتمع بحيث تتراكم الاموال والثروة بيد القلة الحاكمة من اللصوص ومن زعماء الميلشيات والقادة العساكر التي تكون مهمتهم حماية هذه الطبقة من الحكّام ومحاطة بعناصر ميليشيوية وحمايات مدرّبة ومنتقاة من الاقارب والعشائر وعناصر الأحزاب الاثنية التي لايشكّ باخلاصها لهؤلاء اللصوص.
هذا الادّعاء الخرافي بان العراق سائر نحو الديمقراطية قد كلّفنا الكثير من الثروات المسروقة التي يتم تهريبها الى خارج الحدود وتطويعها لشبكات غسيل الاموال وللاستثمارات العقارية ؛ فلا رجال اعمال في الداخل العراقي يساهمون في البناء والتنمية ولا استجلاب لشركات رصينة معروفة تعمل بشكل مقنع وفق مشاريع مدروسة بإمعان باستثناء جلب شركات قليلة الخبرات ترضى ان تهب كوميشنات للسادة الحاكمين والوزراء ومن دونهم من المهندسين غير الأكفّاء او شركات مصطنعة آنيا وعلى عجل من مقرّبيهم المنتفعين والوصوليين والانتهازيين والاقارب وأعضاء الاحزاب للاستحواذ على اكبر كمية من الاموال المخصصة لمشروع ما.
اما الشركات الوهمية التي لانراها الاّ على الورق فحديثها يطول ويطول وكم من الوزارات عندنا دخلت في هذا المعترك الوهمي بسيوفها الخشبية لتقاتل طواحين السحت وما يسمى العقود المشوبة بالريبة وخرجت من ساحة النزاع خاسرة لانها تصارع وهماً استحوذ على تخصيصات مالية هائلة وخابت مساعيها ولم تحصل حتى على خفَي حنين ولا على مداس العمّ التائه أمين.
هناك ممن اعرفهم من ساسة بلادي خارج السلطة ومثقفيها ذوي الميول الليبرالية يقولون لي حين اناقشهم ان الولايات المتحدة قد فقدت صوابها حينما غزت العراق وفرضت نظام المحاصصة السيئ الصيت وجلبت هذه الحشود والزمر السياسية التي لاتعرف غير اللصوصية مسلكا ومنهجا وقد سارت رياح اليانكي عكس الاتجاه المحدد لها واتخذت طريقا اخر غير الطريق المرسوم لها مسبقا ؛ وهذا التبرير ابعد مايكون عن العقلانية والمصداقية، فأميركا حزمت امرها على وضع خارطة شرق أوسط على هواها لابد من فرضها وهي من جلبت هذه العيّنة السياسية ذات الخلطة العجيبة من إثنيين مقيتين متنوّعي المذاهب لكنهم كلهم لصوص مال مع عيّنات غير مؤثرة من ضعاف الليبراليين ومن ذوي النزعات القومية الضيقة الافق وهم في غالبيتهم بيادق شطرنج يسهل تحريكهم من وراء الحدود بواسطة ريموتات ذات تحسس عالٍ، هؤلاء خدم لأجندات معدّة سلفا فاقدي المهارات الاّ من أيديهم الطويلة وهم بالضبط مايطلق عليهم " الكليبتوقراطيين " فهم خليط عجيب من القبليين والطائفيين والمتحزبين المتعصبين للكتل الصغيرة والغارقين حتى رؤوسهم بأوحال المذهبية مما يطلق عليهم في مصطلح السياسة ( Nepotistic Kleptocracy ) وهم زمر من المحسوبيين الذين لايراعون حرمة وطن يريد ان ينهض فينكسونه ويسلبونه ويتحابّون فيما بينهم حصراً ويمقتون أبناء بلدهم ويعملون على تكسير عظام جسد الوطن، هؤلاء كالوحوش الشرهة الشرسة التي لاتستطيع ان تعيش الاّ مع فصيلتها وكارهة للأنواع الأخرى ممن تشاركها الحياة في ارض واحدة ووطن واحد يجمعهم.
ايّ حلم بالخلاص ووعدٍ بغدٍ مشرق للعراق قد جرى تحطيمه من قبل هذه السلطة الحاكمة يوم ان اندحرت الدكتاتورية الصدامية واية خيبة أمل تحوّل الى يأسٍ بين ليلة وضحاها بعد ان صفّقنا وابتهجنا وهللنا فرحا معتقدين ان العراق سيكون حتما النموذج الارقى في نظام ديمقراطي مدني شرق أوسطي يقوده التنوير والعقلانية ويستمع الى صوت الشعب لا الأصوات المبحوحة القادمة من الخارج والتي امتهنت تضليل الملأ الساذج وشراء أصواتهم رخصا وبخسا.
هكذا قلبوا حياتنا ظلاما غاية في السوداوية بعد ان استبشرنا بالنور الذي توهّمنا بانه سيشرق علينا وكان حريّا ان يشرق على يد نخبتنا الحسنة من التنويريين الشرفاء لولا انهم سارعوا الى اطفائه عمدا وسحبوا البساط من مخلصينا واغتيال الكثير منهم وإرغام من بقي على الرحيل وتهديدهم بالقتل والتصفية من قبل مليشياتهم المأجورة واضمروا في اجنداتهم تدابير جهنمية وخطط ما انزل الله بها من سلطان في اشاعة السرقات الكبرى بحيث لم يبق احد منهم الاّ واستولى على كل مايمكن ان تطاله اليد ولم يسلم حتى موظفو النزاهة في البرلمان وغير البرلمان الاّ وكان لهم نصيب وافر من السحت الحرام ليس في ملايين الدولارات انما بالمليارات في خطط جهنمية لايصدقها العقل بسبب هول مايجري من نهب فاضح رسّختها المحاصصة البغيضة وتقاسم الغنائم التي دعمها اليانكي منذ اول غزوه للعراق.
ما الذي يفعله الشرفاء من سياسيينا في مثل هذه الكوارث سوى العجز امام تلك التهديدات المرعبة العلنية منها والسريّة وامامهم اخطبوط الفساد التي تزداد أذرعه يوما بعد يوم " فساد إداري ومالي وسياسي وأمني وأخلاقي وانتخابي وقضائي و..و.. " عمّ كل مرافق الدولة وامتدّ حتى بين شرائح المجتمع والرعية التي توسّخت به.
والحق اني لم أرَ نوّاباً جاهلين ضيقي الافق في برلمان يسمونه ديمقراطيا لايفرزون الآية القرانية عن القول المأثور الشهير " العدل اساس الملْك " الذي قاله ابن خلدون في المقدمة حين سمعت مؤخراً احد نوّابنا غير الكرام وهو يستشهد به ويختمه بقول " صدق الله العظيم " ويبدو انهم لايفرقون بين مقدمة ابن خلدون وبين مؤخرة أم حمدون ولا ادري كيف ينعتون أنفسهم بالاسلاميين وهم يجهلون حتى القصار من آيات الله في القرآن الكريم.
نعم رأينا نوّابا نوّاما لايهشون ولا ينشّون في مراحل اعمارنا ببلدنا التعيسة وممثلي شعب بلطجية شرسين يتناوشون بالايدي عراكاً في قبة البرلمان ونهّابا لصوصا من النخبة التي تكنس كل خزانة البلاد من الأوراق الخضر والسبائك الذهبية ذات البريق الساحر ولاتُبقي حتى السلفر والكوبر من العملات المعدنية البخسة، أما مثل هذه الشريحة من ممثلي الشعب فكان لها الصدارة في السبق ليكونوا في الصفوف الاولى من " الكليبتوقراطيين " لابسي لبوس الاسلام والعنجهية القومية ورافعي رايات الطائفية وهم لايعرفون سوَر وآيات كتابه وقواعد سنّـته، فمثل هذه الزمر لايهمها ان تجمع ثروة اخلاقية وغنىً في أفئدة الشعب وعملا مشرّفاً للوطن وسمعة حسنة يتداول ذكرها الناس على مرّ الازمان لكي يشار اليهم بالبنان اعتزازا وتقديرا وتثمينا لجهودهم ووطنيتهم وأخلاصهم ومساعيهم للارتقاء بأوطانهم بقدر مايهمها جمع ثروة مالية منهوبة وسرقتها من اتعاب المكدودين الفقراء.
ولا أخفي حيرتي ودهشتي وانا ارى ابناءنا كلهم بألوانهم من نسيج العراق الزاهي عربا وكردا وأجناسا اخرى، مسلمين وغير مسلمين وبكل طوائفهم يجمعهم حبّ بلادهم يحققون الانتصارات تلو الانتصارات على دخلاء داعش وطردهم من مرابعنا في هذه الايام الحافلة بالبطولات واعجب كيف لشعب بهذه الهمّة العالية والشجاعة النادرة ان يُقاد من قبل لفيف من اللصوص وعديمي الضمير والمأجورين الذين رهنوا أنفسهم لاطماعهم ونواياهم السيئة وتركوا شعبهم يصارع الفقر ويقاتل الاعداء بعدّتهم القليلة لكنهم رغم ذلك يحققون ماعجز السياسيون عن تحقيقه.
فمثل شعبنا المحبّ لبلاده لايستحق ابدا ان تمثله هكذا طبقة فاسدة تعرّت من النزاهة والخجل حتى اصبحنا نرى الفساد امامنا يمشي عاريا مفضوحا وبلا ايّ حياء في كل مرفق من مرافق هذا الوطن المتعب.
طوبى لمقاتلينا الابطال الذين يحققون الظفر والنجاح تلو النجاح وهم يتجردون من نزعات المذهبية والعرقية والتطرف الشائن ليقاتلوا كعراقيين ويطهروا بلادنا من دخلاء داعش وحتما سيأتي اليوم الموعود لأزاحة النخب السياسية الفاسدة الموبوءة بالسرقات وسوء التصرف والبلادة السياسية وكم سنكون سعداء لو تم ابعادهم وإزاحتهم سلميا عن طريق صناديق الاقتراع بعد ان ادرك شعبنا انهم هم الازمة كلّها وليس جزئها ولايمكن ان يكونوا حَلاًّ لمشاكل بلادنا المتفاقمة والتي تزداد يوما بعد اخر من جرّاء أفعالهم الشائنة.