: آخر تحديث

غاضبون من الشرع!

8
6
6

يمتلك الرئيس السوري أحمد الشرع غريزةً سياسية حادة. تعود هذه الغريزة إلى تكوين نفسي مركَّب، وتحولات شخصية عميقة (من زعيم لجبهة النصرة، إلى رئيس لسوريا في بضع سنوات)، وإلى قدرة جليَّة على قراءة الواقع عبر دروس التاريخ. والأكيد أنه قارئ نهم له.

لم يخضع الشرع لضغوط الجماهير كما فعل قادة سابقون، أبرزهم الرئيس جمال عبد الناصر، الذي دفع ثمناً باهظاً لتماهيه مع الشارع. الشرع يدرك أن الانجراف خلف العواطف الجماهيرية يجعلك رهينة لها، وتحت تهديد الابتزاز الدائم مع كل قرار مفصليّ. وهو، في المقابل، لا يغفل تجربة الرئيس أنور السادات، الذي خالف المزاج الشعبي، وعارض حتى بعض أركان نظامه، لكنه أعاد سيناء ومنع اندلاع حروب جديدة كانت ستدمّر مصر.

ما يميِّز الشرع أيضاً أنه لا يستخدم اللغة الخشبية. سئمنا القاموس السياسي المتكلّس. يتحدث ببساطة وصراحة عمَّا يؤمن به، دون مواربة أو مراوغة. وسوريا المدمَّرة والمنقسمة لا تحتاج إلى زعيم خطابي يبحث عن المجد، بل إلى قائد واقعي، عقلاني، يعالج أزماتها المركَّبة بمسؤولية.

المتطرفون الذين هلّلوا لوصوله إلى دمشق، ظنّوا أنه سيكون امتداداً لـ«الربيع العربي» بصيغته الإخوانية، وأنه سيحوّل سوريا إلى منصة للغزوات الجهادية. وحين خابت ظنونهم، انقلب المديح هجاءً، وتحولت التهاني إلى حملات عدائية منظَّمة.

لكن السؤال: هل كانوا سيشتمونه اليوم لو أعلن الجهاد؟ أو دخل حروباً عبثية مع إسرائيل؟ أو خاض صدامات مع الجيران العرب؟ أو استخدم خطاب الشتائم ضد «الشيطان الأكبر» والقوى «الاستعمارية»؟ بالتأكيد لا. كانوا سيمجّدونه على أنه «الزعيم المجاهد»، بينما يدفع الشعب السوري وحده الثمن؛ خمسين عاماً أخرى من الفقر والتشرد.

لحُسن الحظ أن الشرع اختار الطريق الآخر؛ طريق العقلانية، وبناء الدولة، واستعادة الاقتصاد السوري المتهالك. من دون شعارات مفرغة أو استعراضات نارية. لغة تكنوقراطية جافة لكنها فعَّالة، تنحاز إلى المصلحة الوطنية وترفض المزايدات والابتزاز. «سوريا أولاً» هو الشعار، وهو مفتاح عودة الثقة بين سوريا والمجتمع الدولي.

لهذا، ألقت السعودية بثقلها السياسي والاقتصادي، وأسهمت في رفع العقوبات، مزيلةً واحدةً من أعقد العقبات أمام تعافي سوريا.

سوريا لا تزال تحتاج إلى مزيد من الصبر والوقت، لكن الطريق أصبح واضحاً. والأكيد أن ما كان سيدعو للقلق فعلاً هو لو امتدحه المتطرفون ومردِّدو الشعارات الجوفاء.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد