: آخر تحديث

ابن الدبية وابن علما الشعب

1
1
1

يعتبر إميل البستاني أحد أبرز رجال الأعمال اللبنانيين في القرن العشرين، وسبق المرحوم رفيق الحريري، بعقود، في تجسيد الشخصية اللبنانية الريادية المقدامة والكريمة، ولو طال به العمر، لربما أصبح رئيس جمهورية مميزاً للبنان، فقد امتلك كل الصفات، التي كانت تؤهله لتولي ذلك المنصب المرموق.

ولد البستاني عام 1907 في بلدة الدبية في قضاء الشوف بلبنان، ومنذ صغره أظهر تفوقاً أكاديمياً، أهّله للحصول على منحة دراسية لتلقي التعليم العالي في جامعة MIT الأمريكية التقنية المرموقة، بعد أن أنهى دراسة الهندسة في الجامعة الأمريكية في بيروت.

أسس البستاني، في الثلاثين من عمره، شركة المقاولات والتجارة مع شريكيه «شماس وخوري»، عام 1937، واشتهرت باسم «الكات» C.A.T، وعلامتها التجارية قطة سوداء.

بدأت الشركة أعمالها في لبنان كمقاول محلي، لكن طموحات البستاني كانت أكبر من محيط وطنه الضيق، نسبياً، فقرر نقل الجزء الأكبر من نشاطه لدول الخليج، وكان قراراً حكيماً، فقد تزامن الانتقال مع تصاعد أعمال المقاولات في الخليج، نتيجة الطفرة النفطية، حيث ركزت شركة الكات على المشاريع النفطية الضخمة، ومدّ أنابيب النفط، وبناء المستشفيات، والبنى التحتية، والطرق، ولا تزال، بعد 88 عاماً، تمارس الأعمال والأنشطة نفسها، تقريباً، وإن بتوسّع أكبر، وأصبحت، في زمن قياسي، واحدة من كبرى شركات المقاولات في الشرق الأوسط.

عرف البستاني بحبه لوطنه، وسعى إلى تطوير مرافقه، ودعمه اقتصادياً، حيث كان من أوائل رجال الأعمال، الذين امتلكوا طائراتهم الخاصة، وعلى متنها كانت نهايته، حيث توفي في حادث تحطّم طائرته فوق البحر المتوسط في عام 1963 أثناء رحلة عمل، وشكك الكثيرون في مسببات الحادث.

شكلت وفاته صدمة كبيرة للبنان والمنطقة، وخسارة لأحد أعمدة التنمية والاقتصاد، لكن إرثه وتأثيره الإيجابي بقيا حتى اليوم، حيث كانت سيرته ومسيرته مصدر إلهام للكثيرين، ولا تزال شركة الكات، بعد كل هذا الوقت، شركة ناجحة، بكل المقاييس، وبملكيتها نفسها، البستاني وشماس وخوري.

من مشاريع الكات في الكويت بناء مستشفى الصباح، الذي كان الأكبر في وقته في منطقة الخليج. كما نفذت الشركة العديد من المشاريع النفطية، وأعمال الطرق، قبل أن تقرر الخروج من السوق الكويتي، لصعوبة العمل به، لكن شركة مقاولات محلية كبيرة أخرى أقنعت إدارتها بإبقاء جزء من نشاطها، تحت مظلتها، وإن تحت اسم منفصل، في محاولة حكيمة للاستفادة من خبرة الشركة، وسجلها الرائع مع الجهات الحكومية، خاصة وزارة الأشغال، فهي من أكثر شركات تنفيذ الطرق التزاماً وجودة في التنفيذ!

حاولنا في جمعية الصداقة الكويتية الإنسانية، التي اعتادت منذ سنوات تكريم باقة من النساء والرجال، من مختلف أطياف مجتمع المقيمين، من الذين أقاموا بين ظهرانينا لنصف قرن أو أكثر، دعوة مدير الكات في الكويت، وتكريمه بمناسبة مرور 60 عاماً على التحاقه بالشركة، وتكريم زميله كريم شربيني، وانتهاز المناسبة وتكريم الأخ الكبير فهد أبو شعر، المدير العام لمجموعة فنادق سانت ريجيس، لجميل مواقفه مع جمعية الصداقة الإنسانية، إلا أن الظروف لم تكن مناسبة إثر اعتذار مدير الكات عن حضور المناسبة، لأسباب خاصة. وبالتالي جاء هذا المقال لتوجيه التحية له على جهوده وإخلاصه، كمثال للإداري القدير والرجل الخلوق، الزاهد في الظهور الإعلامي، وتفضيل الاستمرار في أداء عمله بهدوء، بعيداً عن الأضواء.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد