الطبيب في جوهره، هو الإنسان الذي يقف في مواجهة المرض؛ ليبذل كل ما في وسعه لمساعدة المريض، لكن عندما يتحول هذا الدور إلى وسيلة للربح السريع عبر فرض تحاليل وعلاجات لا مبرر علمي لها، يصبح الضمير الطبي مهددًا، فنحن أمام ظاهرة “تجارة الطب”، التي تُفرض على المرضى بإجراءات طبية ربما لا تكون ضرورية، مثل عمليات السمنة الجراحية التي لا تتناسب مع حالاتهم الصحية، أو تحاليل غير دقيقة تُنفذ لأغراض مالية بحتة، وهو ما يتسبب في تحميل المريض أعباء مالية غير مبررة، وهذا لا يشمل فقط المريض، بل يعمق الأزمة بتضليل شركات التأمين التي تتحمل بدورها تكاليف إضافية، ما يفاقم الضغط على النظام الصحي.
يجب أن يكون القرار الطبي نتيجة لدرس علمي ومهني دقيق، ولا يُفترض أن يتأثر بأي اعتبارات أخرى غير مصلحة المريض، لكن عندما يُخضع الطبيب قراره المهني للاعتبارات المادية أو المصالح المشتركة مع شركات التأمين والمختبرات، فإننا أمام أزمة حقيقية تهدد مصداقية الطب ذاته، هنا يبدأ الضمير الطبي في التآكل تدريجيًا، لتتحول مهنة الطب من تقديم خدمة إنسانية إلى تجارة بالمرض، هذا لا يعني أن كل الأطباء متورطون في هذه الممارسات، ولكن عندما تظهر هذه الظاهرة، فإنها تؤثر سلبًا على الثقة التي بين المريض والطبيب، وعلى مصداقية النظام الصحي ككل.
لا تقتصر نتائج تجارة الطب على تآكل الثقة بين الأطباء والمرضى فحسب، بل تؤثر على النظام الصحي بشكل أعمق، فعندما تزداد هذه الممارسات، تصبح عبئًا ماليًا على المرضى وأسرهم، وتحمل النظام الصحي تكاليف غير مبررة، ويمكن أن تؤدي الإجراءات غير الضرورية إلى مضاعفات صحية قد تضر بالمريض، ما يعمق الأزمة.
يتطلب التصدي لهذه الظاهرة إعادة بناء الثقة بين المرضى والأطباء، وتدعيم الأخلاقيات الطبية كأساس للممارسة، ويجب أن يتبنى الأطباء، بشكل جماعي، الضمير المهني الذي يضع مصلحة المريض في المقام الأول، ويدير العلاقة الطبية بناءً على المبادئ الإنسانية والعلمية، ويمكن أن تُدرج الهيئات الطبية برامج تدريبية متخصصة على الأخلاقيات الطبية وتقديم المشورة السليمة للمريض، مع تفعيل قوانين تراقب بدقة ما يُطلب من المريض من إجراءات طبية، وتفرض رقابة صارمة على الأطباء الذين يتجاوزون هذه الخطوط.
لا يمكن تجاوز دور الهيئات الصحية والرقابية في مواجهة هذا التحدي، فمن الضروري أن يكون هناك نظام رقابي فعال يتحقق من جميع الإجراءات الطبية التي يتم فرضها على المرضى، ويجب أن يكون هنالك معايير موحدة وموضوعية لكل إجراء طبي، مع التركيز على ضرورة إجراء الفحوصات والاختبارات المعتمدة التي تتماشى مع مصلحة المريض، لا أن تكون دافعًا لزيادة الإيرادات، كما ينبغي أن يتم تعزيز التعاون بين الأطباء والمراكز الطبية، مع وضع ضوابط مشددة حول كيفية تشخيص المرضى وتقديم العلاج المناسب لهم.
النقطة الأكثر أهمية هنا ، أن تكون الرقابة في غير صالح المريض، مثل الإجراءات المتمثلة في الموافقات التأمينية التي تتأخر، فيتعرض المرضى للخطر، من هنا فيجب أن تكون هناك معادلة للرقابة مع سرعة تلبية الخدمة الصحية.