: آخر تحديث

الأولى والثانية والثالثة... والحافلة

2
2
2

محمد ناصر العطوان

في أواخر القرن العشرين، كان عبدالله، يعيش على حدود دولتين خليجيتين...

وكان عمله يفرض عليه التنقل من مدينة إلى أخرى في تلك المناطق الصحراوية.

كان يسافر في حافلة تجرها شاحنة مع ثمانية مسافرين في الدرجة الأولى والثانية والثالثة.

عبدالله، كان يشتري على الدوام تذكرة درجة ثالثة، وهي الأرخص.

لم يفهم قط لماذا توجد أسعار مختلفة، فالجميع يسافر معاً، من يدفعون أكثر ومن يدفعون أقل: يسافرون محشورين بعضهم إلى جانب بعض، يتنفسون الغبار ذاته، ويهتزون جميعاً مع اهتزاز الحافلة الدائم.

لم يفهم السبب قط، إلى أن علقت الحافلة في رمال يوم صيفي. عندئذ أمر السائق:

ركاب الدرجة الأولى، يبقون في الحافلة!

ركاب الدرجة الثانية، ينزلون

وركاب الثالثة... عليهم أن يدفعوا الحافلة!

عزيزي القارئ، تسلفت هذه القصة من إدوارد غاليانو، ولكني طورتها لتناسب السياق العربي، حيث وقعت هذه القصة في الاورغواي... ولكنها تناسب كل مكان وزمان، فخلال المئة عام الماضية، مرت البشرية بالعديد من الترندات العالمية التي غيّرت ملامح العالم بشكل جذري، بدأ من حركات الاستقلال التي شهدتها غالبية الدول، إلى جهود التنمية والتقدم في مجالات التعليم والصناعة، وصولاً بظهور الأسلحة النووية وتفاقم مشكلة الألغام الأرضية، والتحديات التي فرضها التغير المناخي على كوكبنا، كما شهدنا ترندات ثورة تكنولوجية غيّرت من طريقة تواصلنا وعملنا، وازداد الوعي بأهمية الصحة النفسية كجزء أساسي من الرفاهية العامة.

بالإضافة إلى ذلك، ظهرت ترندات جديدة مثل الذكاء الاصطناعي والبيانات الكبيرة، والتحول نحو الطاقة المتجددة، وزيادة الوعي البيئي، وتحقيق المساواة بين الجنسين... نحن أكثر جيل على وجه الأرض عاصر ترندات وتغيرات جذرية.

ومع كل هذه التغيرات والترندات، يبقى الترند الوحيد الذي استمر في الصمود معنا كقيمة أساسية سعى لتحقيقها هذا الجيل هي المساواة، إنها الحلم الذي يتطلع إليه الجميع، الأساس الذي يسعى لتحقيق التوازن بين جميع أفراد المجتمع، بغض النظر عن اختلافاتهم.

الله، هو الملك العادل، الذي يوزّع الأرزاق بأنواعها بين خلقه، وشكل عدلاته في توزيعها، مختلفة تماماً عن توزيعة السائق التي تقول:

ركاب الدرجة الأولى، يبقون في الحافلة!

ركاب الدرجة الثانية، ينزلون

وركاب الثالثة... عليهم أن يدفعوا الحافلة! وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد