: آخر تحديث

البخيل الباني الباذخ: خائف «الخميس»

9
7
6

سعى محمد علي باشا إلى تقليد أوروبا وأراد حفيده «إسماعيل» أن يقلده. بدأ بإنارة القاهرة والإسكندرية. وراح يشق الطرق، ويبني الجسور والقصور. وغالباً لم يكن يميز بين مشاريع الدولة ومشاريعه الخاصة، حيث ضم عشرات آلاف الفدادين إلى أملاكه. وكما بنى عمه سعيد مدينة «بور سعيد»، بنى هو «الإسماعيلية»، وكان يحاول دائماً إًرضاء السلطان في الآستانة، وإرضاء باريس ولندن. وكانت تلك مشقة صعبة، لكن لا شيء يوقفه. في عام 1866 أرسل إلى أحد عملائه في إسطنبول يطلب منه إغراق عرافي ومنجمي السلطان بالمال كي يقنعوه بأهمية الباشا وإخلاصه.

ما أن حمل إسماعيل لقب الخديو، حتى أبحر على يخته «المحروسة» إلى أوروبا، يزور ملوكها، ويستقبل نبلاءها، ويغمر بالهدايا الجميع. وفي بلاده كان يضاعف عدد المدارس والمبتعثين. وفي عام 1875 كان هناك 4817 مدرسة على الطراز الأوروبي تضم 140 ألف طالب.

أصبحت القاهرة ثاني مدن السلطنة العثمانية بعد إسطنبول بربع مليون نسمة. ومثل باريس بنى فيها دار الأوبرا، و«سيركاً»، ومضمار سباق الخيل. وارتفع فيها عدد المساجد والقصور. كلها بإشراف الخديو، بما في ذلك الزهور التي يجب زرعها.

حوَّل الأزبكية من بحيرة إلى مجمع من حدائق ومبانٍ. واستحدث قربها من العدم، حياً مساحته 250 هكتاراً، يمتد إلى النيل، سُمّي أيضاً «الإسماعيلية». وأسس مدينة حلوان العلاجية على بعد 25 كلم جنوب القاهرة. وفي ست سنوات زادت مساحة العاصمة 50 في المائة. وامتلأ حي الإسماعيلية الجديد بالمباني والمصارف والمتاجر.

في غضون ذلك، تواصلت أعمال الحفر في القناة، وألغي نظام السخرة، وارتفع عدد العمال الأجانب، خصوصاً القادمين من اليونان وإيطاليا. وحلّت محل الرفوش والسلال آلات ضخمة صنعها فرنسيون خصيصاً للقيام بهذه الأعمال وسط الصحراء.

وسط هذه المباهج من الإنجازات، اكتشفت محاولات لاغتيال الخديو العظيم. ومن حسن الحظ أن الاكتشاف تم قبل وقوع الانفجار، كما في مسرح القاهرة، حيث عثر أحد العمال على متفجرة موقوتة تحت الكرسي الذي سيجلس عليه الخديو. لكن تبين أن كل شيء كان من تدبير مدير المسرح سيرافين ميناس، الذي أراد أن يقنع الخديو بأنه أنقذ حياته.

كتبت الصحف الفرنسية بالكثير من الدعابة عن القنبلة الوهمية. أما الصحف الصادرة بالعربية، فلم يكن مسموحاً لها هذا الترف. ومع ذلك، يقول المفكر اليساري الراحل أنور عبد الملك، أن الخديو هو من أنشأ المؤسسات الصحافية، وابتكر ما سوف يصبح لاحقاً الدعاية والعلاقات العامة. وصدرت خلال عهده صحف كثيرة بالفرنسية. وشجَّع الآداب والفكر والمسرح.

لكن هذا المثقف النهم، كان يؤمن بالخرافات، وكان يخشى يوم «الخميس»، ويتطير منه، ويتحاشى الخروج فيه إلى أي مكان.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد