مدفوعاً بتحالف مع إيلون ماسك، عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض. ربما تؤشر هذه العلاقة الجدلية بين رجل الأعمال التقليدي، ورجل الأعمال التقني، إلى مسار عالمي جذري لانتقالٍ للسلطة والثورة، سيكون نمط إنتاجه الحاكم الإقطاع التكنولوجي. فضلاً عن تعيين جي دي فانس، صاحب التوجّه التكنولوجي اليميني، نائباً للرئيس، وهو صديق مقرّب لبيتر ثيل، أحد رموز الإقطاع الرقمي وذوي التوجّهات المحافظة. لعب الإقطاع التكنولوجي -الذي يصفه الخبير الاقتصادي يانيس فاروفاكيس بالأوليغارشية السحابية- دوراً أساسياً في صعود ترامب، كما لعبه في صعود تيار القومية المحافظة في جميع أنحاء العالم. ويمكن استكشاف ذلك من خلال عدسة كيف عملت المنصات الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي والاستراتيجيات السياسية القائمة على البيانات، على تمكين بعض النخب والمصالح، مما أدى إلى إنشاء نظام مجزأ ومستقطب للمعلومات. وقد سمح اتقان ترامب لتويتر له بالهيمنة على الخطاب السياسي، وتضخيم رسائله الشعبوية، والتواصل مع قاعدته في الوقت الحقيقي. حيث تعمل هذه المنصات على تضخيم المحتوى الذي يولّد مشاركة عالية، وغالباً ما تفضل الرسائل المثيرة للجدل والمثيرة للاستقطاب. وقد لعبت قدرة ترامب على الهيمنة على السرديات الإعلامية، غالباً من خلال التغريدات الاستفزازية، دوراً في هذا النظام. كما أن هذه البنية الإقطاعية خلقت غرف صدى حيث لا يتعرّض الناس إلّا للمعلومات التي تتوافق مع آرائهم، مما يعزز التحيّزات والانقسامات القائمة. ويرتبط صعود ترامب ارتباطاً وثيقاً بالطريقة التي تقوم بها منصات التواصل الاجتماعي بمعالجة المعلومات، والتي غالباً ما تعزل المستخدمين في مجموعات متجانسة أيديولوجياً. وقد سمح هذا لترامب ببناء قاعدة قوية ومخلصة كانت تتعرض باستمرار لرسالته، في حين عزلها عن وجهات النظر المعارضة. فتأثير غرفة الصدى يمكن أن يعمل على تضخيم الخطاب الشعبوي، وقد تمكن ترامب من الاستفادة منه. فمن خلال استخدام منصات مثل فيسبوك وتويتر، تمكن من تجاوز الهياكل السياسية التقليدية والتحدث مباشرة إلى أنصاره، وتشكيل نظرتهم للعالم. ولعبت رسائله دوراً في تعميق الانقسام السياسي، مع تزايد تمسك المؤيدين بمعتقداتهم وعدائهم للمؤسسة السياسية. تشبه هذه الديناميكية شكلاً جديداً من أشكال الإقطاع، حيث تتركز السلطة ليس في أيدي المؤسسات التقليدية ولكن في أيدي شركات التكنولوجيا والأفراد الذين يمكنهم استغلال الأدوات الرقمية للتأثير على الرأي العام. وكان لدى ترامب، ذكاء وقدرة وموارد، للتنقل عبر هذا النظام الإقطاعي الرقمي بطرق لم يتمكن الساسة التقليديون من القيام بها، حيث لا يمكن أن ننسب نجاح ترامب فقط إلى قدرته على استغلال هذه المنصات، بل أساساً إلى علاقته الشخصية بشركات التكنولوجيا العملاقة وأصحابها مثل ماسك. وقد أبرز التوتر في الماضي بين ترامب وهذه الشركات -وخاصة في ما يتعلق بتعديل المحتوى، والأخبار المزيفة، وحظر حساباته- القوة التي تتمتع بها الشركات في تشكيل التصور العام والنتائج السياسية. وربما يشكّل حظره النهائي من منصات مثل تويتر في السابق التوازن الهش للقوة بين الزعماء السياسيين وشركات التكنولوجيا العملاقة التي تسيطر على المشهد الرقمي. لذلك، فنحن إزاء تحول غير مسبوق في علاقات القوة بين المؤسسة السياسية والمؤسسة الرقمية. حيث لا يمثل وجود شخصيات مثل إيلون ماسك داخل إدارة الرئيس الأميركي الجديد، فقط مهمة تحويل هياكل الحكومة الفيدرالية، وخفض الضرائب على الشركات الكبرى، وخاصة شركات التكنولوجيا الكبرى، بل أيضاً وأساساً رمزاً لعصرٍ جديد، يطلق عليه المفكر الإيراني التقدمي، داريوش شايغان، عصر فوضى العالم المعاصر والذي يتميز بثلاث ظواهر، وهي فقدان سحر الوجود، وتدمير العقل، واستبدال الخيال بالواقع الافتراضي. فهذا الوجود يفقد سحره يوماً بعد آخر، فيما ينتشر وباء العقل البسيط كالطاعون جارفاً أي جدلية لمواجهة تعقيدات الوجود، تسنده خيالات ما بعد الحقيقة وغرف الصدى الافتراضية، التي صارت هي ملعب وجودنا وغايته.
العصر الذهبي للإقطاع التكنولوجي
مواضيع ذات صلة