: آخر تحديث

هل بإمكان إسرائيل العودة إلى 6 تشرين الأول؟

12
11
13

أحيت إسرائيل الذكرى السنوية الأولى لهجوم "حماس" على غلاف غزة، وهي لا تزال تخوض معارك متنقلة في القطاع، وتقصف لبنان جواً وبراً وبحراً وتحاول التوغل مجدداً إلى الجنوب، وتشن غارات على سوريا يومياً، وتهيّئ لرد على إيران، بعدما كانت أغارت على ميناء الحديدة في اليمن قبل أسبوع، وتتوعد الفصائل العراقية الموالية لطهران. سنة أولى من الحروب الإسرائيلية رداً على الإخفاق الكبير في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، اليوم الذي تعتبره إسرائيل أنه الأكثر كارثية عليها منذ الهولوكوست إبان الحرب العالمية الثانية. وتحولت إسرائيل في هذه الأثناء إلى دولة تعتقد أن بقاءها مرتبط بمواصلة حروبها بأشكال مختلفة ضد ما يسميه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "الهمجية" دفاعاً عن "الحضارة". الحروب هي الوسيلة التي تداوي بها إسرائيل إخفاقها في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، الذي يرى إسرائيليون كثيرون، أنه مهما راكم جيشهم من إنجازات ضد "حماس" و"حزب الله" والحوثيين وإيران، لن يغير من واقع أن الهجوم على غلاف غزة، شكل فاصلاً بين تاريخين، وأن إسرائيل التي كانوا يعرفونها قد ضاعت منهم مرة واحدة وإلى الأبد. 7 تشرين الأول (أكتوبر) حفر عميقاً في الذاكرة الجمعية للإسرائيليين، الذين كانوا يعتقدون أن دولتهم محصنة بالردع والمعلومات الاستخبارية والقدرة على الحسم، وبأن ما من جهة تتجرأ على مهاجمتها أو المسّ بها. سقطت هذه الأسطورة في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، وتراود شريحة كبيرة من المجتمع الإسرائيلي، أن العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل 6 تشرين الأول (أكتوبر)، دونه الكثير من الآلام والصعوبات والحروب التي لا تنتهي. لقد تغيرت إسرائيل ومعها تدافعت الأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة. وقبل 7 تشرين الأول (أكتوبر)، كانت إسرائيل منقسمة على ذاتها. ولعبت الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً منذ 1948 دوراً في تغذية الانقسام. وسعى نتنياهو المتعطش إلى البقاء في السلطة بأي وسيلة، إلى تقييد صلاحيات المحكمة العليا من طريق تعديلات قضائية، تجعل كلمة الكنيست فوق كلمة المحكمة، بخلاف ما اعتاد عليه الإسرائيليون. أراد نتنياهو أن يحصن نفسه ضد الملاحقات القضائية وتهم الفساد، فذهب إلى صياغة قوانين على مقاسه ودولة على مقاسه، إلى درجة استفزت ملايين الإسرائيليين الذين نزلوا إلى الشوارع احتجاجاً. اضطر نتنياهو إلى التراجع ريثما تهدأ العاصفة. لكنه فوجئ بعاصفة 7 تشرين الأول (أكتوبر)، التي هزت سمعته وهوت بشعبيته إلى ما دون الـ15 في المئة، فخرج إلى الثأر ليس من "حماس" فحسب، وإنما من كل سكان غزة في حرب دامية لم يعرف التاريخ المعاصر مثيلاً لها. دمر الجيش الإسرائيلي القطاع وقتل نحو 41 ألفاً، معظمهم مدنيون، ويمارس التجويع والحصار ضد السكان الذين لا يزالون يتلقون أوامر إخلاء من منطقة إلى أخرى، بينما القوات الإسرائيلية تنتقل بهجماتها شمالاً وجنوباً ووسطاً وبالعكس. هي سياسة الانتقام بامتياز، لحمل السكان على الانقلاب على "حماس"، أو عقاباً لهم لأنهم يرفضون حتى الآن التعاون مع الجيش الإسرائيلي. ووقت تُسدّ فيه أية آفاق سياسية، فإن حروب إسرائيل مرشحة للاستطالة والتوسع إلى مديات أخرى. ويقف العالم عاجزاً أمام هذه الغطرسة، ولا سيما الولايات المتحدة التي شلتها الانتخابات الرئاسية المحتدمة بين الديموقراطية كامالا هاريس والجمهوري دونالد ترامب. ومن يتجرأ من القادة الأوروبيين على الانتقاد يتعرض للهجوم من قبل المسؤولين الإسرائيليين. ولم يتوانَ  نتنياهو عن مخاطبة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعبارة "عار عليك أن تدعو إلى وقف تسليح إسرائيل". هذا الانفلات الإسرائيلي يهدد بحرب أعم في المنطقة وبجر الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة مع إيران.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد